تأبين رئيس مجمع اللغة العربية الراحل الدكتور محمد مروان المحاسني … ممثل نائب رئيس الجمهورية: كان فقيدنا أستاذاً هادئاً متسامحاً حمل الأمانة بإخلاص وأعطى للحياة
| مايا سلامي- تصوير مصطفى سالم
برعاية نائب رئيس الجمهورية السيدة الدكتورة نجاح العطار، أقام مجمع اللغة العربية في دمشق حفل تأبين رئيس المجمع الراحل وعالم اللغة العربية الأستاذ الدكتور محمد مروان المحاسني، وذلك في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق في الحادية عشرة صباح أمس بحضور أعضاء المجمع وممثل راعي الحفل الأستاذ الدكتور بسام إبراهيم وزير التعليم العالي والبحث العلمي وعدد من المهتمين واللغويين ورجال الإعلام.
د. العطار: قامة علمية
كلمة راعية الحفل ألقاها وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور بسام إبراهيم، وقال فيها: «لقد كان فقيدنا أستاذاً هادئاً، متسامحاً، حمل الأمانة بإخلاص وأعطى للحياة ولمن حوله جهده وخبرته وتجربته وحبه، تمتع بدماثة الخلق وحسن المعشر وطيبة القلب والتواضع الذي زاده احتراماً وتقديراً ومحبة في قلوب الناس والطلاب وكل من التقى به».
وأضاف: «فهو باحث وأستاذ جامعي وطبيب جراح بارع ورئيس لمجمع اللغة العربية منذ العام 2008 حتى وفاته، كان له عناية واهتمام خاص بتعريب المصطلحات الطبية والعلمية مستفيداً من إتقانه عدداً من اللغات الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية».
وأشار إلى أنه كان عضواً في الكثير من الجمعيات والهيئات العلمية والبحثية وله العديد من المؤلفات العلمية والطبية والأدبية وبحوث علمية منشورة في مجلات طبية عربية وأجنبية.
وأكد أنه قامة علمية ووطنية وبحر في العلم وغزير الثقافة، واسع الأفق ومدافع صلب عن اللغة العربية بل محب وعاشق لها.
د. السيد: الطبيب الماهر
وقال رئيس مجمع اللغة العربية الأستاذ الدكتور محمود السيد في كلمته: «لقد كانت سيرته العلمية حافلة بالعطاء إذ إنه أسهم أيما إسهام في أدائه الجامعي والمجمعي وفي الجمعيات والمجالس ولجان عدة على الصعد كافة محلياً وعربياً ودولياً، وتجدر الإشارة إلى تعدد اللجان التي كان رئيساً لها أو عضواً فيها ومن هذه اللجان لجنة مصطلحات ألفاظ الحضارة ولجنة مصطلحات البيئة والمجتمع والمياه ومصطلحات العلوم الطبيعية والزراعية وطب الأسنان وعلوم الأحياء الحيوانية والنباتية».
وأكد أن تعدد اللجان التي كان رئيساً لها أو عضواً فيها يدل على غنى مخزونه الثقافي وسعة معرفته وتنوع آفاقه فكانت الأعباء التي تحملها في هذه اللجان كبيرة، وفي ضوء ذلك يمكننا أن نتصور الفراغ الذي حدث إثر فقدان علم من أعلام جيل المكابدة والمعاناة، هذا الجيل الذي عانى ما عانى في سبيل الحصول على المعرفة.
وكشف أنه من سمات شخصيته رحمه اللـه الهدوء والاتزان والتحلي بالصبر في معالجة الأمور ولم يكن ليجرح أحداً في رده على من لا يتفق معه في وجهة النظر إلى الأمور، فكان يتلقى جميع المداخلات بكل لطف وكياسة ولباقة وتهذيب جم، وأنه عني أيما عناية بالجانب الإنساني في المعالجة وتلبية طلبات ذوي الحاجات وتسهيل أمورهم بكل نفس راضية، وكم كان يجيد فن الاستماع إلى من كان يشكو أمراً أو ألماً من العاملين في المجمع فيقدم النصيحة له في ضوء خبراته الطبية الغنية فهو الطبيب الماهر والمرشد البارع.
ولفت إلى أن الراحل كان يتمتع بذاكرة متقدة قل نظيرها وبقيت متألقة حتى آخر أيامه إذ إنه كان يتذكر التفصيلات الجزئية الدقيقة لأحداث مر بها من قبل ويقارن بين واقع المتعلمين آنذاك وواقعهم في أيامنا مصراً على أهمية الإمعان في البنيان المعرفي ومشدداً على دور الأساليب العلمية في هذا البناء.
وشدد على أنه كان يقف دائماً على الفروقات الدقيقة في معاني الكلمات المتخيرة لاعتمادها مصطلحات في اللغة العربية مقابل المصطلحات الأجنبية حيث كانت العربية طوع بنانه فكان أسلوبه أنيق العبارة وواضح الدلالة وبعيداً عن الغموض والالتباس، وكان يعتز أيما اعتزاز بتراث أمته في ميدان الطب وغيره من الميادين العلمية الأخرى ويفند المزاعم التي تشير إلى أن العرب لم يكونوا مبدعين في هذا الميدان.
د. الجبان: سيرة عطرة
رئيس جامعة دمشق الدكتور أسامة الجبّان وصف الدكتور الراحل بالقامة العلمية والوطنية وبأنه واحد من رجالات العلم والفكر في سورية والوطن العربي وإحدى العلامات الفارقة في جامعة دمشق الذي رحل عن عالمنا بعد فترة طويلة من العطاء تاركاً سيرة عطرة وذكرى طيبة وروحاً نقية وميراثاً من العلم والخلق الرفيع وكل ذلك زاده احتراماً وتقديراً ومحبة في قلوب زملائه وطلابه وكل من عرفه والتقاه.
وأوضح أن الدكتور مروان المحاسني رحمه اللـه ساهم على مدى أكثر من خمسة وتسعين عاماً ومن دون كلل أو ملل في خدمة رسالة العلم ومهنة التدريس في كلية الطب بجامعة دمشق بكل ما تحمله هذه الرسالة في طياتها من المعاني فضلاً عن شغله العديد من المناصب الأكاديمية في الكثير من الهيئات العلمية المحلية والعربية والدولية المهمة.
وأكد أن الراحل بذل خلال العقود الماضية جهوداً فعالة في خدمة اللغة العريبة التي بقي وفياً لها حتى آخر يوم في حياته، وكان دائماً مؤمناً راسخاً بقدرة هذه اللغة على تحمل أعباء الحداثة في العلوم وفي جميع المجالات التقنية.
وختم بـ«أننا في جامعة دمشق نؤكد تقديرنا واعتزازنا بكل المبدعين على مساحة الوطن وما مشاركتنا اليوم في تأبين أحد أعلام الوطن النجباء إلا تأكيد على تبني الجامعة نهج الحرص على القيام بدورها وواجبها تجاه هؤلاء الكبار من رجالات العلم والفكر من خلال تكريم كل من أضاف إلى تاريخ الجامعة والوطن، والتذكير بتجاربهم وإبداعاتهم فمثل هؤلاء الرجال لا يرحلون أبداً بل يستمرون فينا ومعنا بفكرهم وأخلاقهم ووطنيتهم وهم حاضرون للأبد في ذاكرة الجامعة والوطن».
د. مشوّح: عالم موسوعي
كلمة أصدقاء الفقيد ألقتها وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوّح وقالت فيها: «يعز علي أن أقف بينكم في هذا الموقف الحزين لأرثي عالماً ما اعتلى يوماً هذا المنبر إلا وكان سيده، ولم أكن لأتخيل يوماً آتي فيه إلى المجمع ولا يكون فيه مترئساً لجانه العلمية ومعيناً معرفياً لا يشق له غبار، ومحرضاً على النظر إلى أبعد من الدلالات المباشرة للكلمات وعلى سبر أغوار المصطلحات الأجنبية وتفكيكها وتحليلها لتقريب مدلولاتها من الأذهان».
وأضافت: « كان رحمه اللـه مرجعاً موسوعياً في المصطلحات الطبية كما في علوم البيئة والفنون والآداب وألفاظ الحضارة، عالماً موسوعياً أبعد ما يكون عن التزمت والانغلاق الفكري لا يجد غضاضة في الاعتراف بخطأ أو التراجع عن رأي أو موقف جانب فيه الصواب».
وأكدت أن الدكتور مروان المحاسني كان قادراً على أن يحول الجلسات العملية إلى مزيج عجيب من الفائدة والمتعة، فائدة نغترفها من معين علمه وواسع معرفته وتعدد مشارب ثقافته، ومتعة تبهج فيها الجلسة طلاوة حديثه وخفة ظله ولاسيما عندما يستذكر أبيات حفظها أو أمثلة شعبية اختزنتها ذاكرة طفولة سعيدة، تفاصيل صغيرة كان ينثرها بعفوية وبراءة طفولية لتبعث الدفء في أوصال جلسة علمية مغرقة في الجدية.
د. الشطي: طيّب الكلمة
أما كلمة طلاب الفقيد فألقاها الدكتور إياد الشطّي وجاء فيها: «كان أستاذنا مروان المحاسني طيب الكلمة، حاضر البديهة، حديثه شائق ومفيد ما ذكر مرة إلا اقترن ذكره بالثناء والمحبة، غادرنا يحمل من حصاد حياته إيمانه وعمله الصالح وهو كثير، انتقل إلى العالم الآخر عالم العدل المطلق ورجع إلى خالقه راضياً مرضياً».
ولفت إلى أنه حقق أمنيته بأن يواري الثرى في أقدم مدينة بقيت مأهولة على مدار آلاف السنين لأنه كان يعتز بأنه الشامي العتيق، وأنه كان قدوة لطلابه بأخلاقه وتواضعه حتى إنه كان لا يذكر أنه أول من أجرى عملية توسيع الصمام التاجي.
د. المبيض: الشامي العتيق
أما الباحث الدكتور سامي المبيض فقال: «خلال السنوات الماضية جلست طويلاً في حضرة الدكتور مروان وكان حديثنا الدائم يدور حول مدينة دمشق في زمنها الجميل عن ذكرياته الملونة في أزقتها وعن علاقاته بشخصيات تاريخية عرفها من قرب وتأثر بها كثيراً، لا تبحثوا عن هذه المنمنمات التاريخية فلن تجدوها في أي كتاب ولا في سيرة الدكتور مروان التي نشرت في كبرى الصحف العربية يوم رحيله».
وأشار إلى أن الراحل كان له مساهمة لطيفة في يوم انقلاب حسني الزعيم بإيقاظ محسن البرازي من النوم والبحث عن خالد العظم الذي أخذه مجهولون ونتيجة لذلك وبعد ست سنوات طلب خالد العظم من الدكتور مروان المشاركة في حملته الانتخابية والإشراف على صناديق الاقتراع في انتخابات رئاسة الجمهورية التي أقيمت في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي.
وكشف أن الدكتور المحاسني اجتمع بالرئيس القوتلي للمرة الأولى إبان العدوان الفرنسي على مدينة دمشق في 29 أيار عام 1945 بعد حصوله على الشهادة الثانوية من مدرسة الفرير وقد عرض هو ورفاقه على رئيس الجمهورية فكرة حمل السلاح وتشكيل مقاومة شعبية لرد العدوان.
وفي الختام أكد أن الدكتور الراحل مروان المحاسني لطالما فضل أن يلقب بالشامي العتيق وأن هذا اللقب كان الأفضل والأقرب إلى قلبه.
الدكتور المحاسني وسيرة علمية
والراحل المحاسني أحد أهم أئمة تعريب العلوم الطبية في عصرنا، فإلى جانب اختصاصه بالطب البشري اهتم باللغة العربية وأولاها عناية خاصة وأسهم في وضع الكثير من المصطلحات في مجالات الطب والعلوم الطبيعية والحيوانية حتى بات قامة فكرية معطاء، وواحداً من أبرز أعلام الثقافة السورية الذي كرّس جل حياته في خدمة العلم والأدب.
شغل العديد من المناصب الأكاديمية في العديد من الهيئات العلمية منها رئيس قسم الجراحة في كلية الطب بجامعة دمشق وأستاذ ورئيس قسم الجراحة في جامعة الملك عبد العزيز في مدينة جدة- السعودية، كما تسلم عضوية المجلس الأعلى للعلوم في دمشق والمجلس الصحي الأعلى بدمشق وجمعية جراحة الصدر في بريطانيا.
وفي عام 1979 انتخب المحاسني عضواً عاملاً في مجمع اللغة العربية بدمشق خلفاً للدكتور أسعد الحكيم ثم شغل منصب نائب رئيس المجمع بين عامي 2005 و2008 ومن بعدها تسلم رئاسته إلى حين وفاته في 20 آذار 2022م.