مماطلة إسرائيلية في الاتفاق مع لبنان لتثبيت أمر واقع في حقل كاريش … مصادر «الوطن»: الحروب تحصل على خلفية إمدادات الطاقة والتوازن يحكم المنطقة ودول محور المقاومة لن تكون في حصار
| سيلفا رزوق
سريعاً وصلت ارتدادات الحرب الأوكرانية لمنطقتنا، وتحت تأثير ضغط الطاقة الذي بدأ يقض مضاجع الأوروبيين، إثر إصرارهم على الذهاب بعيداً في حربهم الاقتصادية على روسيا، والاستغناء عن نفطها وغازها، وجدت أوروبا ضالتها في الغاز الإسرائيلي والمصري، وخلال ساعات من وصول مسؤولين أوروبيين إلى «تل أبيب»، وصلت وزيرة الطاقة في كيان العدو إلى مصر التي وقعت مع كيان العدو والاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال تجارة ونقل وتصدير الغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي.
الخطوة الخطيرة تزامنت مع انتهاء زيارة المبعوث الأميركي الوسيط في المفاوضات غير المباشرة اللبنانية الإسرائيلية لترسيم الحدود البحرية آموس هوكشتاين، الذي حمل المطالب اللبنانية ووضع الكرة في ملعبه تجاه ما سيحصل في المرحلة المقبلة، غير أن المعطيات التي حصلت عليها «الوطن» كشفت بأن هوكشتاين كان هدفه الحصول على إقرار لبناني خطي أو شفهي باستبعاد فكرة الشراكة في حقل كاريش، وهو ما أكده الكاتب والمحلل السياسي محمد عبيد الذي أكد في تصريح لـ«الوطن» أن هناك ارتباطاً بين محاولات ما يسمى الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة بين لبنان، وكيان العدو الإسرائيلي، لتكريس بدء الإنتاج في حقل «كاريش»، وبين الخطوة التي حصلت أمس في القاهرة وتمثلت بتوقيع اتفاق ثلاثي مصري إسرائيلي أوروبي لتصدير الغاز إلى منظومة دول الاتحاد الأوروبي، ذلك أن الحقل المذكور الذي من المفترض أن يبدأ الإنتاج فيه أواخر أيلول المقبل، سيشكل أحد المصادر الأساسية للغاز «المتوسطي» إلى القارة الأوروبية ابتداء من العام 2025.
وكشف عبيد أنه ووفقاً للمعطيات المتوافرة، فإن هدف هوكشتاين كان الحصول على إقرار لبناني خطي أو شفهي باستبعاد فكرة الشراكة في حقل كاريش، وفقاً للدراسة التي أعدتها قيادة الجيش اللبناني حول الخط 29، الذي يثبت حق لبنان بجزء كبير من الحقل نفسه.
وأضاف: «تقول المعطيات إن الكيان الإسرائيلي يسعى لكسب الوقت من خلال المماطلة في إنجاز اتفاق سريع مع لبنان، بهدف تثبيت أمر واقع يجعل من الصعب قيام لبنان بأي إجراءات قانونية دولية توقف عملية الاستخراج والإنتاج في حقل كاريش، لأنه وحسب القانون الدولي في حال وضعت منصة استخراج الغاز والمعدات وبدأ الإنتاج ولم تعترض الدولة المعنية فإنه وفقاً للقانون الدولي يتحول الأمر لحق مكتسب للبلد الذي بدأ بالإجراءات التنفيذية».
عبيد لفت إلى أن الموقف الذي عبّر عنه الأمين العام لحزب اللـه حسن نصر اللـه حمل وجهين: الأول هو إعطاء فرصة للتفاوض من خلال القول إن المقاومة تقف خلف الدولة في إعطائها الفرصة لاستعادة حقوق لبنان من العدو من خلال التفاوض غير المباشر، لكن في حال فشلت فالخيار الثاني مطروح على الطاولة وهو الضغط لوقف عمليات الإنتاج والضغط على السفينة لإبعادها عن حقل كاريش مؤكداً أن احتمالات التصعيد في المنطقة واردة وبقوة.
مصدر مقرب من حزب اللـه اعتبر في حديث لـ«الوطن» أنه إذا قرر الأميركي أن يغير من أسلوب مقاربته، فإن لبنان جاهز للدفاع عن حقه والذهاب بمسارات إيجابية، لكن إذا أصر الأميركي وكما أظهرت تصريحات هوكشتاين أول من أمس، بأن ينظر للأزمة فقط بعين إسرائيلية فإن الاتجاه نحو التصعيد أمر مطروح وبقوة.
واعتبر المصدر أننا نقف على مفترقات حاسمة خلال الأشهر القليلة القادمة ولاسيما أن وضع مفاوضات فيينا صعب، ووضع الحوار السعودي الإيراني متراجع وهناك أزمة سياسية صامتة تعاني منها حكومة العدو، وأزمة الخناجر المتعددة التي يتبعها العدو ضد إيران، والتصعيد المستمر على الجبهة السورية، وبالتالي كل هذه المآلات أمام محاكمة قدرة أميركا على تجميع حلفائها في بوتقة الضغط على روسيا وقدرة محور المقاومة بالتحالف مع روسيا والصين الاستفادة من المعاناة الأميركية والأوروبية بالحرب على أوكرانيا ونجاح الرئيس الروسي فلايمير بوتين حتى الآن بإعادة توجه هذه الحرب عسكرياً بما يؤسس لنصر روسي واضح ضمن الأهداف التي ترسمها وتحددها روسيا.
مصادر لبنانية متابعة كشفت لـ«الوطن» بأن الخطير بالأمر بأن الوساطة الأميركية غير النزيهة هي أمام مأزق الآن، لأنها من جهة هي حريصة بشدة على حماية مصالح العدو الإسرائيلي ومن جهة أخرى فإن عامل الوقت يلعب دوراً ضاغطاً على هذا المسار، وبالتالي هوكشتاين مضطر لاستجلاب موقف إسرائيلي عاجل، في ضوء ما سمعه من المسؤولين اللبنانيين شفهياً، وهذا يؤشر إلى انعطافة حاسمة في مسار هذه الأزمة قد يفتح باتجاه تطور ايجابي، أو قد يأخذ الأمور نحو المواجهة، والأمور لم يعد فيها حل وسط بناء على ما يجري.
الكاتب السياسي وسيم بزي في تصريح مماثل لـ«الوطن» اعتبر أن الاتفاقية التي وقعت أمس في مصر لتزويد أوروبا بالغاز الإسرائيلي المصري قد تمثل عامل قوة غير مباشر للبنان لأن السعي لتكريس منطقة شرق المتوسط كأحد بدائل الأساسية لأوروبا في الأزمة الأوكراينة، سيجعل لبنان بموقع قوة، لأن هذا الاتفاق سيفرض على أميركا وحلفائها الغربيين المحافظة على بيئة الاستقرار المهددة في ضوء ما يجري.
بزي لفت إلى أن الحرب الأوكرانية ساهمت في وضع منطقة الثروات الهيدروكربونية من نفط وغاز في مقدمة المشهد، ولبنان عملياً يمثل عنصر إعاقة حاكمة لهذا المشروع باتجاه أوروبا لأنه يمتلك ثروة أساسية مع سورية في حوض شرق المتوسط، ولأن الأنبوب الذي يراد مدّه لأوروبا من هؤلاء الشركاء يجب أن يمر حكماً بالمنطقة اللبنانية حتى تكون الكلفة ذات جدوى، لأن في حال مروره خارج المنطقة الاقتصادية اللبنانية يجعل كلفة هذا الأنبوب بين 12 و15 مليار دولار ما يجعله غير ذي جدوى اقتصادياً، وأضاف: «كل ما يجري من مشاريع اليوم يتم تحت تأثير ضغط تحقيق نجاحات اقتصادية وعسكرية روسية في الموضوع الأوكراني، وبالتالي هكذا نوع من الاتفاقيات تهدف لإيجاد بدائل عن حاجة أوروبا لروسيا».
بزي علق على زيارة الرئيس الأميركي المرتقبة لإسرائيل والسعودية، وما تحدث به الإسرائيلي من أنها ستسهم باندماج كيان الاحتلال بالمنطقة وما تداوله الإعلام العبري عن الاتجاه نحو توقيعه اتفاقية أمنية مع السعودية، وقال: «ما بدأ يتجلى بحضور أمني للعدو بأكثر من دولة عربية هي التي دفعت رئيس وزراء العدو للتحرك بحرية بالعالم العربي وزيارته الأخيرة للإمارات وهذا المسار مرتبط بشراكات «غازية» في ظل ما يسمى منتدى غاز الشرق الذي يضم مصر وإسرائيل والأردن وقبرص واليونان وايطاليا والسلطة الفلسطينية، وهي تضم عنصر التطبيع الذي يجعل العدو عنصراً طبيعياً في الشرق الأوسط بما يتجاوز القضية الفلسطينية، أما النقطة الثانية فهي الشراكة الأمنية بمواجهة إيران ومحاولة الوصول لناتو عربي.
ولفت بزي إلى أنه بخصوص الموقف السعودي هناك تساؤل هل السعودية مقتنعة أن إدارة بايدن بوضع مريح لتكون قادرة على عقد هذه الصفقة معها؟ أم إن السعودية تراهن اليوم على فوز الجمهوريين في الانتخابات التشريعية الأميركية في تشرين الثاني المقبل؟ وبالتالي التمهيد لعودة دونالد ترامب والحزب الجمهوري إلى سدة الحكم في أميركا، وأضاف: «القيادة السعودية مازالت تحتفظ الآن بموقفها من حرب أوكرانيا بنوع من هامش المناورة التي تتيح لها حرية الحركة بين العلاقة الجيدة مع روسيا أو الانغماس مع الأميركيين ببدائل نفطية تعادي روسيا، والأسابيع المقبلة ستكشف إن كان ستكسر هذا التوازن، أم إنها تشتري الوقت باتجاه الانتخابات النصفية الأميركية وفي ضوء نتائجها تحسم خياراتها النهائية».
بزي اعتبر أنه حتى الآن لم ينجح الأميركيون بانتزاع موافقة نهائية من السعودية بالإشهار العلني بالعلاقة مع إسرائيل، رغم أن التنسيق بين الجانبين تحت الطاولة مفتوح على مصراعيه وهذا الأمر مرتبط بمعادة إيران من جهة ورغبة محمد بن سلمان بالوصول للحكم، وبمسح قضية جمال خاشقجي من الذاكرة الأميركية، لكن الأخطر أنه مرتبط برغبة واشنطن وضع السعودية على الجانب المتحالف معها ضد روسيا في مرحلة تشعر فيه أميركا بقلق كبير من نجاح الروس بتجاوز كل العقوبات والضغوطات الاقتصادية التي فرضت عليهم والوضع القوي للروبل وعجز أوروبا عن تأمين البدائل الحقيقية الطاقة الروسية.
مصدر إيراني علق في تصريح لـ«الوطن» على كل هذه المعطيات بالقول: «الكيان الإسرائيلي اعتاد الاعتداءات وخرق القوانين، إلا أنه بحاجة اليوم ألا تكون هناك زعزعة للأوضاع بالمنطقة لأنه لو اختلطت الأوراق ووصلنا إلى حالة الحرب فهذا لن يكون في مصلحته وعلى هذا الأساس ما يفعله الإسرائيلي اليوم هو عرض عضلات لتمرير المشروع الذي وقعه في مصر وضمان استمراريته، ورغم كل هذه الدموية، تل أبيب لا تسعى لحرب كلاسيكية مع دول الجوار سواء سورية أو لبنان أو حرب شاملة ضد محور المقاومة، لأنها تعلم حجم هذا المحور على الأرض وإلى أي مدى تمتد أذرعه في أي حرب.
وختم المصدر تصريحه بالقول: «كل الحروب حصلت على خلفية إمدادات الطاقة والحرب على سورية خلفيتها إمدادات الغاز، وبكل الأحوال هناك توازن في المنطقة، ودول محور المقاومة لن تكون في حصار في هذا الإطار، ولاسيما أن دولها تحمل الكثير من حوامل الطاقة ورغم صعوبة الموقف إلى أن هذا لن يؤدي إلى الاستسلام».