لطالما اعتبرت الولايات المتحدة، أميركا اللاتينية حديقتها الخلفية تفعل بها ما تشاء بعيداً عن تدخل العالم الخارجي في شؤونها، وهذا ما أكده مبدأ مونرو الانعزالي (1823) الذي نص على عدم تدخل أميركا الناشئة في مشكلات العالم القديم، بالمقابل ألا تتدخل أوروبا والعالم القديم بالأميركيتين، ومنذ ذلك الوقت أصبحت أميركا اللاتينية حديقة واشنطن تستغل مواردها وترسم سياساتها كيفما تشأ.
لكن مع الزمن خسرت الولايات المتحدة كثيراً من نفوذها في جارتها الجنوبية، ولعل أكبر خساراتها كانت انتصار الثورة الشيوعية في كوبا ١٩٥٩، وفنزويلا التي تعتبر من أغنى الدول النفطية في العالم.
يبدو أن الولايات المتحدة مازالت مستمرة في خسارة النفوذ في «حديقتها الخلفية» حتى الآن، إذ أفشل تجاهل قادة مهمين في أميركا اللاتينية مؤتمر الأميركيتين الذي عقده الرئيس جو بايدن الأسبوع الماضي في لوس أنجلوس، وهو المؤتمر الذي أرادت الإدارة الأميركية من خلاله تأكيد قيادتها لدول أميركا اللاتينية.
قاطع الرئيس المكسيكي أندريس أمانويل لوبيز مؤتمر بايدن، وحذا الكثير من رؤساء أميركا الوسطى حذوه، حيث اقتصرت الوفود على تمثيل منخفض أحبط الإدارة الأميركية التي لم تتوقع هذه الفوضى.
لعل السبب الذي دفع هذه الدول إلى مقاطعة المؤتمر هو قرار بايدن عدم دعوة ثلاث دول إقليمية مهمة وهي كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا، لأنها ترفض التدخل الأميركي في المنطقة التي أصبحت محطمة سياسياً ومنهكة اقتصادياً.
ويبدو أن دول أميركا اللاتينية ترى أن هناك تناقضاً وصعوباتٍ في تحقيق التعهد الذي قطعه بايدن بأنه سيعمل على إعادة القيم الديمقراطية للسياسة الخارجية الأميركية، ففي الوقت الذي يمتنع فيه بايدن من دعوة كل من فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا لحضور المؤتمر لأنه يراها دولاً ديكتاتورية، يقوم البيت الأبيض بالإعلان عن زيارة مرتقبة لبايدن للمملكة العربية السعودية على الرغم من سجل الأخيرة السيئ في حقوق الإنسان، إنها ازدواجية المعايير التي أصبحت نهجاً سائداً في تعامل الولايات المتحدة مع العالم، بما في ذلك «حديقتها الخلفية».