قضايا وآراء

المنطقة مجدداً على صفيح ساخن

| محمد نادر العمري

على الرغم من أن الصراع الدولي القائم في أوكرانيا وتأثيراته المختلفة على كل المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية، قد سلب اهتمام وتركيز معظم الفعاليات السياسية من منظمات ودول فضلاً عن الشعوب التي تنعكس عليها بشكل مباشر وسريع وتتلمس قبل غيرها أي تأثيرات سلبية ناجمة عن مخلفات الحروب أو جوانبها المنبثقة منها، من ترد للأوضاع الاقتصادية أو تأزم للعلاقات السياسية والدبلوماسية أو التهديدات الأمنية الناجمة عن الفوضى وانفلات الحدود وتسرب المرتزقة والإرهابيين، فضلاً عن التعصب وخطابات الكراهية والعنصرية ومآلاتها الحتمية في تركيبة سيكولوجية شعوب العالم، مع ذلك، فإن مؤشرات بقاء التركيز على ذلك الاشتباك في تراجع مع تصاعد وتيرة صراع آخر يبدو أنه آخذ في الارتفاع، وقد يُصنف بأنه أحد مسارات الصراع الكبير، لكونه يتضمن قوى وأطرافاً ليست بحجم وقوة الدول الكبرى ولكن هي في علاقة معها. وتتجلى صورة ذلك في منطقة الشرق الأوسط وما تشهده مؤخراً من تطورات وأحداث تصعيدية أقل ما يمكن وصفها بأنها تُنبئ بصفيح ساخن قابل للاشتعال في أي لحظة ومكان.

فالبصمة الصهيونية الخبيثة تبدو واضحة وملموسة في كل ما يحصل، أملاً منها في الهروب من أزماتها الداخلية من جانب ومن جانب آخر استغلال الصراع الأميركي- الروسي في أوكرانيا لتحقيق مصالح أمنها القومي وفق ما تدعيه، من خلال سعي تل أبيب لدفع الولايات المتحدة الأميركية إلى توسيع دائرة صراعها مع الجانب الروسي لتصل حتى منطقة الشرق الأوسط عبر استنزاف حلفاء موسكو من خلال الحروب السيبرانية والاغتيالات وتضييق الخناق والحصار الاقتصادي وتزييف الحقائق والاعتداءات المباشرة كما حصل مؤخراً من عدوان على مطار دمشق الدولي.

وفي هذا الإطار التصعيدي الذي تقوده تل أبيب يمكن أن نورد عدداً من المؤشرات التي تؤكد ذلك، وتؤكد في الوقت ذاته أنه لا يمكن لتل أبيب القيام به من دون ضوء أخضر أميركي:

أولاً- على الصعيد الإيراني، عاودت تل أبيب اللجوء إلى سياسة الاغتيالات التي طالت منذ نهاية شهر أيار الماضي وحتى كتابة سطور هذا المقال ثلاثة عسكريين اغتيلوا داخل إيران ومن أبرزهم العقيد في الحرس الثوري صياد خدايي في 22/5/2022، بالتزامن مع تبني الوكالة الدولية للطاقة الذرية للرواية الصهيونية في تقريرها مؤخراً عندما زعمت أن هناك انتهاكات إيرانية في برنامجها النووي.

ثانياً- أما على الصعيد اللبناني، ورغم كل المحاولات التي بذلت من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية منذ شباط 2018، حينما وضع وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو اللبنانيين بين خيارين: التخلص من حزب الله أو مواجهة الحصار الاقتصادي، ومن ثم دفع الحكومة للاستقالة وإدخال لبنان في فوضى سياسية وأمنية واقتصادية كادت تؤدي إلى حرب أهلية في الطيونة، سبقها تفجير مرفأ بيروت لاتهام حزب الله وحلفائه بذلك واستهداف حاضنتهم الشعبية وتقليبها ضدهم لإسقاط محور 8 آذار في الانتخابات البرلمانية وتغيير التوازن والتركيبة السياسية الداخلية، بما يساهم في تهيئة مناخات تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ويمنحها الحق في ترسيم الحدود بما يتناسب مع أطماعها التي تحاول فرضها اليوم كأمر واقع في البحر المتوسط بعد استقدام السفينة اليونانية «إينرجيان باور» لاستخراج وإنتاج الغاز الطبيعي في حقل كاريش المتنازع عليه بين لبنان والكيان.

أما على المستوى الجغرافيا السورية، فلوحظ خلال هذا العام تصاعد وتيرة التصعيد الاعتدائي الإسرائيلي الذي بلغ 15 عدواناً منذ بداية العام الحالي، كان آخرها العدوان الذي استهدف مطار دمشق الدولي، وهو ما كان ليتم إلا بموافقة وضوء أخضر أميركي، لأنه يأتي استكمالاً للسلوك الأميركي في حصار سورية اقتصادياً وتدمير بنيتها التحتية، فضلاً عن سعي تل أبيب لقطع الطريق الجوي الواصل بين إيران وسورية، ولخلق حالة عدم ثقة بين سورية وحلفائها من جانبه مع روسيا من جانب ثان.

وفي ظل اتساع مؤشرات التصعيد هذه، يمكن لنا أن نلاحظ تطورات داعمة لهذه المؤشرات تمثلت في عوامل عدة، أهمها:

– تغير اللهجة الأردنية تجاه سورية بعد زيارة الملك الأردني للولايات المتحدة الأميركية من حيث إبداء مخاوفها من توسع نفوذ حلفاء دمشق على الحدود المحاذية في ظل انشغال روسي بأوكرانيا، فضلاً عن ادعائها بتهريب المخدرات من سورية.

– إعلان الكيان الصهيوني نشر رادارات ومنظومة صواريخ باتريوت في بعض دول المنطقة.

– تجميد مشروع نقل الغاز من مصر إلى لبنان عبر سورية.

– إعلان النظام التركي في هذا التوقيت عن توجهاته لنقل مليون سوري إلى داخل الجغرافيا السورية وسعيه لاحتلال منبج وتل رفعت في ريف حلب الشرقي لإقامة ما يسميها «المنطقة الآمنة».

– محاولة إدخال العراق في اضطراب سياسي تليه فوضى أمنية محتملة.

_ زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للسعودية في منتصف تموز المقبل، ومسارعة وسائل الإعلام الصهيونية لتسريب أنباء تتحدث عن تشكيل منتدى أمني إسرائيلي سعودي خلال الزيارة.

هذه التطورات تضع المنطقة على صفيح ساخن وخاصة بعد تهديدات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وتحذيره من قيام إسرائيل ببدء استخراج الغاز، وبعد إعلان الجمهورية الإيرانية بالرد المباشر في حال إمعان حكومة نفتالي بينيت بسلوكها التصعيدي تجاه طهران، وحتمية الرد على عدوان مطار دمشق الدولي، كل ذلك يضع المنطقة أمام عدة سيناريوهات من الاشتباك:

السيناريو الأول هو قيام محور المقاومة بالرد على السلوكيات الاعتدائية الصهيونية أو استهداف حقل كاريش في حال تجاهل تل أبيب لتحذيرات حزب الله، وهذا الرد أو الاستهداف سيكون مضبوطاً ما يضع إسرائيل بين خيارين أحلاهما مر: ابتلاع الضربة والنزول من أعلى الشجرة أو الذهاب نحو تصعيد الاشتباك، وهو ما يقودنا للسيناريو الثاني الذي يتمثل في اندلاع حرب إقليمية تكون به إسرائيل أمام ست جبهات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن