نشرت أكبر منظمة مدنية غير حكومية هولندية تتابع شؤون النزاعات في العالم أول أمس، في عدد من المواقع الإلكترونية نتائج استطلاع رأي أجرته داخل هولندا تبين منه أن 51 بالمئة من الهولنديين يعدون إسرائيل كياناً عنصرياً يفرض نظام «الأبارتايد» العنصري المدان من كل دول العالم والأمم المتحدة على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وتبين أيضا أن 62 بالمئة من الهولنديين يحملون إسرائيل مسؤولية استمرار الحرب على الفلسطينيين وأن أكثر من 90 بالمئة يرفضون سياسة بناء المستوطنات.
لكنه من الواضح أن الحكومة الهولندية اعتادت كبقية الدول الاستعمارية التاريخية التقليدية على دعم إسرائيل وعدم التجاوب مع هذه النتائج التي يعبر عنها بحرية المواطنون وهو نفس ما تتبعه معظم حكومات دول الاتحاد الأوروبي طوال عقود كثيرة.
ومع ذلك يشكل الإعلان عن هذه النتيجة مؤشراً بارزاً على تآكل الصورة التي دأبت الحركة الصهيونية على ترويجها للكيان الإسرائيلي وتبرير اغتصابه لفلسطين والعمل على محو الهوية العربية الفلسطينية التاريخية للشعب والوطن.
من جانب آخر كشف عدد من التصريحات العلنية للمسؤولين الإسرائيليين من أصحاب القرار عن اعترافات بالمسؤولية التامة لكل قادة الكيان الإسرائيلي عن النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني عام 1948، فقد اعتاد هؤلاء خلال عقود كثيرة نفي مسؤوليتهم عن ترحيل الفلسطينيين بقوة الإرهاب وارتكاب المذابح الشهيرة والموثقة مثل مذبحة دير ياسين وغيرها، بل كانوا يتنكرون لها ويزعمون أن الفلسطينيين الذين بلغ عددهم 800 ألف ويشكلون أكثر من 80 بالمئة من أفراد الشعب الفلسطيني الذين تحولوا إلى لاجئين في عام 1948 هم الذين خرجوا تاركين مدنهم وممتلكاتهم دون أن تجبرهم المنظمات الصهيونية في ذلك العام على الرحيل أو الموت.
في 14 حزيران الجاري نشر الموقع الإلكتروني «ميديل إيست آي» سجلاً بقلم الكاتب السياسي البريطاني – الإسرائيلي جوناثان كوك الذي عمل محررا في صحيفتي «الغارديان» و«الاوبزيرفر» عن اعترافات عدد من الوزراء والجنرالات الإسرائيليين بمسؤوليتهم عن التسبب بنكبة عام 1948 وتبجحهم بارتكابها، فقد استشهد بتهديد أطلقه الرجل الثاني بعد بنيامين نتنياهو في حزب الليكود والوزير السابق للشؤون الاستراتيجية والاستخباراتية يسرائيل كاتس، حين قال من منبر «الكنيست» مخاطباً الفلسطينيين الذين أصبح عددهم سبعة ملايين في كل أراضي فلسطين المحتلة: «إذا لم تتوقفوا عما تقومون به ضدنا وإذا تمسكتم برفع أعلامكم فسوف نكرر النكبة مرة أخرى فتذكروا ذلك العام 1948 أنتم وأجدادكم وجداتكم»، وفي مناسبة أخرى حذر الجنرال المتقاعد عوزي دايان وهو رئيس أركان سابق ورئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي سابقا، قائلاً: «سنكرر نكبة ثانية عليكم إذا رفضتم الخضوع لشروطنا» واستخدم كلمة النكبة بالعربية زيادة في التذكير والتهديد وفي عام 2017 هدد الوزير السابق في حكومات أرييل شارون ونتنياهو، تسحيا هانيغبي قائلا: «سنصنع لكم نكبة ثالثة بعد نكبة عام 1948 وعام 1967 فلا تجربونا والنتيجة لن تكون مختلفة»، وكان نتنياهو قد أصدر في عام 2011 قوانين تحظر استخدام عبارة النكبة من أي فلسطيني داخل الكيان الإسرائيلي وفرض قانون عقوبات ضد أي هيئة أو مؤسسة عربية ومجلس بلدي عربي إذا استخدم عبارة النكبة أو سمح بتداولها في مؤسسات تعليمية وتربوية عربية وإعلامية.
لو استطاع نتنياهو وغيره من المسؤولين في الكيان الإسرائيلي فرض هذه القوانين لمحو ذكرى النكبة على الدول العربية لفعل ذلك ولن يستغرب أحد أن يطالب كل الدول العربية بعدم استخدام عبارة النكبة وخاصة بعد أن طالب السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس بمنع وجود هذه العبارة ومعانيها في وسائط التعليم الفلسطينية والجامعات بل المساجد أيضاً، ولكن التمسك بذكرى النكبة أصبح من أسلحة المقاومة الفلسطينية دون أدنى شك، وما زال نتنياهو مع بقية حكومات تل أبيب المتعاقبة يعمل على فرض محو عبارة النكبة داخل أنظمة ومؤسسات دول العالم وخاصة الأوروبية والولايات المتحدة وكندا، وإبراز وتثبيت ما يطلقون عليه «المحرقة اليهودية» أثناء الحرب العالمية الثانية، وكانت إسرائيل والحركة الصهيونية قد فرضتا على كل دول العالم محاكمة كل من ينكر «المحرقة والعدد الذي حددته إسرائيل للضحايا اليهود فيها على أيدي النازية الألمانية»، بينما كان المطلوب منا نحن ومن الجامعة العربية، تأكيد أن كل من ينفي وجود نكبة الشعب الفلسطيني المستمرة ثلاثة أجيال منذ عام 1948 حتى هذه اللحظة يتعين التنديد به أمام حقائقها التي تراها كل دول العالم ومؤسساتها الأممية داخل فلسطين المحتلة وخارجها.