من دفتر الوطن

سرديتنا المرتبكة

| حسن م. يوسف

«موتاهم أرقام أما موتانا فقصص».

مالا شك فيه أن هذه العبارة التي أطلقها قبل سنوات رئيس وزراء الكيان السرطان الأسبق إيهود باراك تعبر عن عقلية عنصرية بغيضة، لكن النزاهة تقتضي أن نعترف بأنها تعبر عن واقع مؤسف لابد من التصدي له وتوصيفه كي يمكننا تغييره. أومن أن القضية الفلسطينية هي من أعدل القضايا في تاريخ البشرية إن لم تكن أعدلها على الإطلاق، لكن دفاعنا عنها لم يكن يوماً بمستواها، فنحن لم ننجح حتى الآن في تقديم سرديتنا للعالم رغم مرور 74 عاماً على تفشي السرطان في أرضنا. ومن المعروف أن أي سردية تتشكل في ضوء الإجابة عن الأسئلة الجوهرية التالية: من نحن، ماذا نريد، كيف يمكن تحقيق ما نريد، ومتى يجب علينا بدء العمل لتحقيق ما نريد. وأي اختلاف في إجابتنا عن أي من هذه الأسئلة الأربعة، ينتج عنه سردية مختلفة! وهذا يفسر تعدد وفشل معظم السرديات العربية المتعلقة بفلسطين. فالعرب لم يتوافقوا يوماً على سردية واضحة ومتكاملة، على حين ينفق كيان الاحتلال أموالاً طائلة لتعزيز سرديته، فهو يطمس ويقلل من حجم العمليات الإرهابية التي يقوم بها، وعندما تكون الجريمة أفظع من أن تبرر، ينسبها الكيان لـ «ذئب وحيد» مختل عقلياً، كما فعلت إسرائيل عندما قام الإرهابي مايكل دينس روهن بإضرام النيران في المسجد الأقصى عام 1969ما أدى إلى دمار أحد أجنحة الجامع واحتراق المنبر التاريخي المعروف بمنبر صلاح الدين.

يقول أفلاطون (428-347 ق. م): «الذين يروون القصص يحكمون المجتمع» والحق أن هوليوود التي أسسها اليهود وما زالوا يسيطرون عليها، هي التي تروي القصص الأكثر انتشاراً داخل أميركا وخارجها. صحيح أن السرديات العربية لا تزال تصارع السردية الصهيونية بأشكال ودرجات مختلفة، لكن تواطؤ الغرب الذي يحتكر أدوات المعرفة، مع الصهاينة، يجعل سردية الكيان السرطان هي الأكثر هيمنة على وعي العالم.

قبل نحو عشرة أيام لفت أحد الأصدقاء انتباهي لقصة مؤثرة، لو كان أبطالها من اليهود، لكُتبتْ عنها القصائد والروايات والقصص، ولأنتجت عنها الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية والعروض المسرحية.

أرجأت الكتابة عن تلك القصة كي أرى مدى تفاعل رواد الفيس بوك معها، لكن أسبوعين مرا من دون أن تحظى القصة برد فعل يذكر، ربما لأن سردها جاء مرتبكاً. لذا أسمح لنفسي فيما تبقى من هذا المقال أن أعيد سرد القصة بطريقتي الخاصة.

عقب حرب ١٩٤٨، نزح المواطن الفلسطيني حسن زيارة مع زوجته إلى قطاع غزة طلباً للسلامة، وبعد مرور عدة أيام عانيا خلالها الجوع، قرر حسن زيارة العودة إلى قريته لإحضار بعض الموؤنة من بيته في الأرض المحتلة، وفي طريق عودته ضبطته دورية من جنود الاحتلال وهو يحمل كيسا من القمح على ظهره، فتم توقيفه وتقديمه للقضاء العسكري الذي حكم عليه بالسجن لمدة خمسين عاماً.

طال انتظار الزوجة لعودة زوجها، غير أن البحث لم يسعفها في العثور عليه، وعندما لم تجد له أثراً، اعتبرته شهيداً. بعد بضعة أشهر وضعت المرأة ابنها البكر فقررت أن تسميه حسن على اسم والده الشهيد. بعد سنوات انتقلت أم حسن من قطاع غزة إلى الضفة الغربية حيث تزوجت رجلاً من قلقيلية ورزقت منه بعدة أبناء. أما ابنها حسن فقد نزح إلى سورية حيث التحق بالعمل الفدائي وأثناء إحدى العمليات تم أسره وحكم عليه بالسجن المؤبد.

شاءت الظروف أن يكون الأب وابنه في قسمين مختلفين من السجن ذاته من دون أن يعلم أي منهما شيئاً عن الآخر، وعندما جاءت الأم لزيارة ابنها ونادى شاويش السجن على اسم حسن زيارة خرج الاثنان الأب وابنه دون أن يعرف أي منهما الآخر، وقد صعقت الأم عندما وجدت نفسها أمام زوجها وابنها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن