من دفتر الوطن

كلام خنفشاري!

| عصام داري

عندما أنتهي من كتابة هذه السطور سأباشر في البحث والتفكير بالموضوع الذي سأكتبه الأسبوع القادم، فالبحث عن موضوع للكتابة متعب للغاية وليس سهلاً كما تتوقعون.

أذكر أن القصّاص الشعبي حكمت محسن سُئل من أين يأتي بموضوعاته للتمثيليات؟ فقال في اللقاء اليتيم مع التلفزيون السوري: ما دام هناك من يمشي في الشوارع ذهاباً وإياباً فسيكون هناك موضوعات جديدة.

صحيح، وأستطيع الآن اختراع ألف قصة وقصة (غير ألف ليلة وليلة) وأنشرها هنا أو في أي منبر إعلامي آخر، لكن.. ما الفائدة من كل كلام الأبجديات إذا كانت لا تحرك ساكناً، ولا ترفع مجروراً، ولا تنصب مشنقة لفاسد أو لص أو تاجر جشع أو جلاد؟

هل أقدم الحلول لمشاكلنا المستعصية والصعبة على فهم بعض من امتلك القلم عن طريق المصادفة أو في لحظة هاربة من الزمان؟ وهل هناك من يسمع كلامي وحلولي وكلام ملايين البشر الرازحين تحت خط الفقر بمئة درجة؟

من يسمع اقتراحاتي وحلولي الخنفشارية واستغاثات الجائعين الذين لا يريدون سوى رغيف الخبز، والمرضى الباحثين عن أدوية لا تكلفهم سوى رواتبهم المهترئة، أو المظلومين الذين ينشدون عدالة الأرض والسماء؟

يقولون: إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع!

أمرك سيدي.. سأطلب المستطاع، فأنا أطالب بالكفاف لا أكثر، هل كثير على المواطن ثلاثة أرغفة في اليوم؟ وأمامها ستة أقراص فلافل «وعروسة زيت وزعتر» وكمشة شاي وسكر، هل هذه مطالب عادلة؟ إذا كانت كذلك فإنني لن أطلب إلا أن يكفي راتبي الشهري لشراء هذه المواد التي من شأنها أن تبقيني على قيد الحياة، ولا بأس إن بقيت تحت خط الفقر!

بالورقة والقلم تحتاج أسرة مكونة من ثلاثة أفراد إلى ثمانين ألف ليرة ثمناً للخبز الحاف فقط! و36 ألف ليرة ثمن فلافل، ولن أحسب بقية المواد، لأن الخبز والفلافل قضوا على راتب الموظف قضاءً مبرماً.

لم أطلب إلا أقل من المستطاع بكثير، والغريب أن ما أطلبه يمكن أن يكون حلماً لغيري، وهذا يجعلني، ويجعل الكثيرين غيري نطرح هذا السؤال: ماذا يأكل الفقير؟ ومن أين يحصل على المال الذي يكفيه لشراء الخبز والفلافل فقط لا غير؟ ألا توجد أطعمة غير الفلافل؟ هناك أشياء تسمى البطاطا والبندورة والفاصولياء والبازلاء والكوسا والباذنجان والزيت والسمنة واللبنة والجبنة، ولن أذكر مادة لا يعرفها الفقير وتسمى اللحمة.. هل تتذكرون اللحمة، ومن يعرف شكلها من أصله؟

كل المبررات للغلاء مقبولة نظراً لأوضاع الاقتصاد العالمي والغلاء في العالم أجمع والحروب والحرارة والطقس والحصار وقيصر والعقوبات وسوى ذلك، لكن من غير المقبول والمعقول والمفهوم أن يأكل بعض الناس الكافيار والسلمون والمحار، واللحوم بأنواعها ويتحلون بفواكه استوائية وحلويات عربية وغربية، على حين لا يجد المواطن ثمن علبة دواء تنقذه من المرض والموت.

ومن غير المقبول والمفهوم أن يأكل الغني الفقير على وجبة الغداء ويتحلى بأطفاله على العشاء، والمصيبة أن هذا الغني راكم ثروته من سرقة المواطن نفسه، من سرقة المال العام أو من تجارة الموت، فأصبح من أثرياء الحرب، هل فقدنا القدرة على محاربة الفساد والفاسدين؟

أعرف أن كلامي لن يصل أبعد من أنفي.. وأن كلام الناس لا يقدم ولا يؤخر.. ومع ذلك كتبت موضوعي الخنفشاري.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن