قضايا وآراء

لا عودة.. «قضي الأمر الذي فيه تستفتيان»

| أحمد ضيف الله

بعد أن أمَّ بهم صلاة العشاء جماعة في مقره بـ«الحنانة» بمدينة النجف مساء الـ15 من حزيران 2022، وخلال اجتماع مع نواب كتلته المستقيلين وقادة تياره، قال مقتدى الصدر: «أود أن أخبركم شيئاً واحداً، أني قررت الانسحاب من العملية السياسية حتى لا أشترك مع الفاسدين بأيّ صورة من الصور، لا في الدنيا ولا في الآخرة»، كما «أريد أن أخبركم، في الانتخابات المقبلة لن أشارك بوجود الفاسدين، إذا شارك الفاسدون في الانتخابات فأنا لن أشترك، هذا عهد بيني وبين الله وبينكم وبين شعبي».

إذاً، قضي الأمر ولا عودة ثانية لنواب التيار الصدري إلى المجلس النيابي، ولا المشاركة في انتخابات نيابية قادمة إلا إذا «أُزيح الفاسدون وكل من نهب وسرق العراق وأطاح الدماء»، بحسب ما قال الصدر لنوابه المستقيلين بعد صلاة العشاء.

استقالة نواب التيار الصدري من المجلس النيابي بأمر قائدهم مقتدى الصدر، خيار يُفترض احترامه وتقديره، لكون خيار المضي بحكومة «الأغلبية السياسية» بحسب ما أراد الصدر لم يعد ممكناً في تمسك قوى الإطار التنسيقي بحكومة «توافقية» للخروج من حالة الانسداد الحاصل منذ نحو 8 أشهر.

الاستقالات قُبلت وصارت نافذة، والخطوة التالية، ستكون بعد نهاية العطلة التشريعية في الـ10 من تموز المقبل، لاستكمال عدد نواب المجلس النيابي البالغ 329 نائباً، بأن يحل محل النواب الصدريين المستقيلين الـ73 مَن حلّ بَعْدهم من الخاسرين في انتخابات الـ10 من تشرين الأول 2021، الذين حصلوا على أعلى الأصوات في دائرة كل نائب مستقيل، وفقاً للقانون الانتخابي المعمول به، ومن ثم يؤدون القسم الدستوري، حيث ستتضح بعد ذلك خريطة توزع القوى النيابية في المجلس النيابي بشكل دقيق، وإن كان الجزء الأكبر من النواب البدلاء سيذهب لمصلحة الإطار التنسيقي.

استقالات النواب الصدريين من المجلس النيابي هي الحل الأفضل للخروج من حالة الخروقات وعدم الالتزام بالتوقيتات الدستورية، وهي في ذات الوقت ورقة سياسية ضاغطة للدفع باتجاه حلول تنهي حالة الانسداد السياسي، ويجب أن تحترم وتقدر، كإيثار سياسي من مقتدى الصدر الذي قرر «أن يكون مضحياً من أجل الوطن والشعب وليس سبباً معطلاً»، تاركاً مقاعد نوابه لمناوئيه كقربان «من أجل الوطن والشعب» من دون انكساره، لتخليص العراق «من المصير المجهول» بغض النظر عن الموقف من رؤية الصدر لواقع ومجريات العملية السياسية الراهنة.

طبول الرعب التي تدق في مواقع التواصل الاجتماعي وفي فضائيات التطبيع مع العدو الصهيوني، وعلى كامل «المدى» من دون توقف، منذرة من أن الاستقالات ستؤدي إلى فوضى عارمة، واحتراب داخلي شيعي، وعواقب وخيمة على العملية السياسية في العراق، هي ليست أكثر من تهويل ودس وتحريض على الفتنة، لا معنى ولا حقيقة لها، يكشف «مدى» خيبة أمل مطلقيها في تحقيق مشروع الاحتراب الداخلي الذي ترعاه أميركا وبريطانيا وعربان التطبيع الصهيوني، وخاصة بعد تطوع بعض مثقفي العراق والمنطقة بنقل بنادقهم من الكتف اليسار إلى اليمين! وباتوا أبواقاً لغربان التدمير والهدم.

صحيح أنها المرة الأولى، التي ليس فيها نواب صدريون في المجلس النيابي منذ تشكيله عام 2005، إلا أن التيار الصدري اعتاد استقالة وزرائه من حكومات ساهم بتشكيلها أعوام 2010 و2014 و2018، وهو وإن أخلى ساحة العمل النيابي، فإن هذا لا يعني انسحاب كوادره من باقي مفاصل الدولة العراقية والشارع، وما من شك أن ما جرى سيحدث فراغاً مهماً ومؤثراً في العملية السياسية، ولكن ليس إلى حد الاقتتال الداخلي كما يتمنى أعداء العراق واستقرار المنطقة.

قوى الإطار التنسيقي التي باتت تشكل الكتلة النيابية الأكبر، ماضية في حواراتها مع القوى السياسية الأخرى لاستكمال الاستحقاقات الدستورية، في ظل وجود تفاهمات مبدئية مع قوى مهمة في المشهد السياسي للخروج من الأزمة السياسية.

العقبة الأخيرة تبقى في اتفاق الحزبين الكرديين الرئيسين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني على مرشح رئاسة الجمهورية، في ظل التخوف من قيام الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البارزاني بعرقلة ذلك، وخاصة بعد تصعيد تمرده ورفضه تنفيذ قرارات المحكمة الاتحادية العليا التي ألغت قانون النفط والغاز الخاص بإقليم كردستان، وألزمته بتسليم النفط وعائداته المالية للمركز.

العراق يقف على عتبة تحوّل كبير يتّسق مع ما هو حاصل من أحداث واصطفافات في المنطقة على خلفيّة، تعثّر المفاوضات النووية مع إيران، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية الاقتصادية، والعدوان الإسرائيلي المستمر على سورية الذي بات يستهدف المواقع المدنية الحيوية فيها، وتصاعد وتيرة الاختراقات الإسرائيلية خليجياً، وبالتالي فإن إمكانية الدخول في أزمة جديدة، أمر وارد.

في النهاية يبقى الترقّب سيّد الموقف في العراق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن