قضايا وآراء

ماكرون بلا أنياب برلمانية

| منذر عيد

وضعت نتائج المرحلة الثانية من الانتخابات البرلمانية الفرنسية الرئيس إيمانويل ماكرون في مأزق لا يحسد عليه، إذ لم يتمكن تحالف «معاً» من الحصول على الأغلبية المطلقة في البرلمان والبالغة 289، ليحصد 246 مقعداً، وليكون أمام تحديات كبيرة مقبلة تبدأ بكيفية تشكيل الحكومة، ومع من سيتحالف لتمرير «إصلاحات» مشروعه السياسي، لتؤكد المعطيات الأولية أن كل الخيارات التي أمامه ستكون صعبة.

عدم حصول تحالف ماكرون «معاً» على الأغلبية في البرلمان، قد لا يكون بالأمر المفاجئ، وإن كان من النادر أن يفشل رئيس منتخب حديثاً في الحصول على أكثرية نيابية، حيث مهد لذلك الفارق غير الكبير في نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز بها ماكرون بحصوله على 58.5 بالمئة من الأصوات مقابل 41.8 بالمئة لمنافسته زعيمة «التجمع الوطني» مارين لوبان، بل إن المفاجئ في انتخابات البرلمان هو تمكينها من حضور أقصى اليمين، وأقصى اليسار بشكل قوي ولافت داخل البرلمان، وهي المرة الأولى التي تحدث في تاريخ الجمهورية الخامسة، بحصول اليمين المتطرف على 89 مقعداً، والكتلة اليسارية بزعامة جان لوك ميلانشون على 135 مقعداً.

لقد كسرت نتائج المرحلة الثانية من الانتخابات البرلمانية، العرف السياسي في فرنسا، إذ إنه منذ تأسيس الجمهورية الخامسة واعتماد دستور عام 1958، كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية هي صورة عما ستكون عليه نتيجة الانتخابات البرلمانية، ففوز الرئيس السابق نيكولاي ساركوزي في انتخابات 2007 أدى لنجاح الديغوليين في السيطرة على البرلمان، وانتصار فرانسوا هولاند في انتخابات 2012 جلب معه أغلبية برلمانية اشتراكية سهَّلت مهامه، وهذا الأمر بطبيعة الحال يسهل عمل الرئيس في تنفيذ سياسته وتطبيق برنامجه، بعيداً عن موضوع التحالفات داخل البرلمان، ليثير ذلك تساؤلاً: ماذا بشأن ماكرون، وأي خيارات مطروحة أمامه للمضي قدماً في الاستمرار بمنصب الرئاسة بعيداً عن المنغصات؟

تؤكد جميع توقعات الخبراء والمتابعين بأن الطريق الأسهل والسالك أمام ماكرون، هو الذهاب إلى تحالف مع اليسار الوسط، لإقرار مشاريع القوانين، الأمر الذي أكده المتحدث باسم الحكومة الفرنسية، عقب إعلان نتائج الانتخابات بالقول إن «تحالف ماكرون سيتواصل مع الأحزاب المعتدلة سعياً لتحقيق أغلبية برلمانية»، كما قالت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن بعد إعلان النتائج «سنعمل اعتباراً من الغد على تشكيل أغلبية عمل»، وذلك بعد إعلان النتائج، معتبرة أنه «ليس هناك من بديل عن هذا التجمع لضمان الاستقرار».

لم تدم سعادة ماكرون طويلاً عقب فوزه بالانتخابات الرئاسية، فالأمور داخل البلاد تذهب إلى الأسوأ، لتضاف الفوضى الناتجة عن الانتخابات البرلمانية إلى جملة الأزمات التي تشهدها فرنسا من انكماش اقتصادي، ومن انعكاسات سلبية لما يجري من أحداث في أوكرانيا، ليكون السؤال هل سيمكث البرلمان الجديد خمس سنوات؟ أم سيفشل الرئيس في بناء توافقات تمكنه من تسيير سدة الحكم بأقل الأضرار، المواجهة لن تكون سهلة داخل البرلمان الجديد وأيضاً خارجه، فخيارات الرئيس قليلة ولن تكون في مصلحته، ومستقبل فرنسا السياسي رسمته بالأمس الصحف الأوروبية، حين قالت «لوفيغارو» إن فرنسا «تقوم بقفزة نحو المجهول السياسي، زلزال في الجمعية، فرق متناحرة تثير ضجيجاً ستستقر في المجلس وتحوله إلى قدر يغلي… إن نقاشنا الديمقراطي برمته (…) سيتأثر بشكل عميق»، على حين عنونت مجلة «دير شبيغل» الألمانية: «فرنسا صوتت وعاقبت ماكرون»، لتؤكد صحيفة «إل باييس» الإسبانية، أن «فشل إيمانويل ماكرون يبشر بتشكيلة تصادمية جداً في الجمعية الوطنية».

لقد نزعت الانتخابات البرلمانية، أنياب ماكرون التي كشر عنها سابقاً في وجه خصومه، وحولت سيفه الذي استله للمضي في معركته «الإصلاحية» الاجتماعية والاقتصادية إلى سيف من ورق، ونزعت من يده «العصمة السياسية»، كما دفعت به إلى ما لم يكن في حسابه يوماً وهو «المساكنة السياسية».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن