من دفتر الوطن

لفَّاية.. و«شوية» ديمقراطية

| فراس عزيز ديب

قيلَ يوماً بأن «من كوارث الديمقراطية اضطرارنا للإصغاءِ إلى الحمقى»، لكني أرى بهذه المقولة الكثيرَ من الإجحاف بحقِّ العمل الديمقراطي، لأنها تأتي على طريقةِ من يختصر الإنجازات التي حققتها الليبرالية بكونها تدعم المثلية الجنسية، إذ يبدو من أطلقها على خلافٍ شخصي مع الرأي الآخر، ليسَ كل «رأي آخر» مرفوض، فلماذا لا نأخذ من التجارب إيجابياتها بدلَ الهروب من المتغيرات حولنا؟

نهايةَ الأسبوع الماضي سرقت السمراء راشيل كيكي الأضواء بعدَ نجاحها في الانتخابات البرلمانية الفرنسية، نجاحها لاقى صدى كبيراً لسببينِ أساسيين:
الأول لكونها تعمل في تنظيف الغرف بأحد الفنادق الباريسية أي بلغتنا الدارجة «لفَّاية»، هي فعلياً تعبير حقيقي عن صوت المقهورين، تحديداً أنها قادت قبل فترة إضراباً عاماً لـ«اللفَّايات» أجبر ربَّ العمل على رفع الأجور المتعلقة بعاملات التنظيف، هي لم تتقدم للعملية الانتخابية بما تحمله من حزمة شهادات أكاديمية، بل إنها كانت فعلياً «صوتَ من لا صوتَ لهم».

السبب الثاني أن الانتصار جاءَ على حسابِ منافستها روكسانا ماراسينو، الشخصية المحببة لكونها رياضية وبطلة في السباحة ووزيرة الرياضة ومرشحة الرئيس ايمانويل ماكرون، لم تنفع لها كل هذه الصفات بأن تخسر بفرقٍ ضئيل أمام «اللّفَّاية»، لكن البطلة الخاسرة اعترفت بهزيمتها، والمنتصرة أعلنتها بداية لحملةِ «تعزيل البرلمان الفرنسي»!

في شرقنا سقطَ صوت الطبقات المسحوقة منذ فترة طويلة، «إلا من رحم ربي»، حتى تقسيم النواب بين فئات لضمان كوتات محددة تحت القبة لهذه الطبقات الفقيرة، بات أشبهَ بالأضحوكة، وبات معظم نوابنا لا يمثلون إلا مصالح الطبقات المخملية السياسية أو الاقتصادية التي أوصلتهم لكرسي النيابة، يدَّعونَ حملَ شهاداتٍ وخبرات لم يسمع بها أحد، على عكس ما تمثله راشيل في المجتمعات الغربية التي تبدو ديمقراطيتهم للبعض، رجسٌ من عمل الشيطان، لأنها ستقطع برزقهم كوكلاء لصاحبِ المشيئة على الأرض، ونتساءل: هل حقاً مازال لدينا في برلماناتنا من يمثِّل الفقراء والطبقات الكادحة، وأينَ هم؟ أم أصبحوا كاليساري العتيد الذي ينادي «ياعمال العالم تكبير»؟! أم ذاك الذي يحمل هاتف «أبل» وينادي بإسقاط الشيطان الأكبر!

في شرقنا البائس لا يستطيع أحد أن يُعير الآخر بديمقراطيتهِ كلنا باللوائح الجاهزة سواء، لكن اللافت أن يحاول البعض بذرائعَ مختلفة الضربَ على أحداث كهذه تجري في الغرب، بدلَ أن يصمت على خيباتنا، فبالنسبة لهم فإن انتخاب ماكرون أساساً رئيساً هو فعل ماسوني وسقوطه في الانتخابات البرلمانية أيضاً فعل ماسوني، تبّاً لهذهِ الماسونية، ألم تعد تفهم ما تريد؟ أم أن هناك من يصر على التحدث بما يجهل؟

في الخلاصة: إن من الكوارث التي تجرها علينا الأحداث الديمقراطية أن من أخفق يوماً بانتخابهِ عريفاً للصف بسبب النجاح المضمون لـ«ابن الآنسة»، يجلس وينظِّر بالأحداث الديمقراطية! وعندما تقرر أن تكونَ صوتاً للآخرين فلا يهم أن كنتَ بمهنة «لفَّاية» أو بمهنة أستاذ جامعي فالكاريزما هبة من اللـه لا علاقة لها بما تحمل من شهادات وبمعنى أدق: ليس لدي مشكلة أن تحمل صوتي كل «لفَّايات» العالم ما دام يصل بأمانة وصدق، لكن على هامش كل هذه الأفكار المتداخلة دعوني أطرح عليكم سؤالاً كله شجن: من منا لا يحن إلى ذاك اليوم الذي كان فيهِ منصب «عريف الصف» هو تجسيد لشخصيةِ المعلم في غيابه؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن