مرة جديدة مجلس الأمن في جولة كباش وتجاذب محتملة تجاه الملف السوري، هذه المرة تعود المسألة الإنسانية وخاصة صيغة الآلية المتبعة لإيصال المساعدات للواجهة، وذلك قبل شهر واحد من انتهاء مدة القرار 2585 الذي تبناه مجلس الأمن في العام الماضي. غير أن المؤشرات الميدانية والسياسية السورية والإقليمية والدولية، ولاسيما طبيعة العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الروسي لا توحي باحتمال مشاهدة «الدخان الأبيض» في التوصل لقرار توافقي جديد أو تمديد القرار الحالي في يسر وسهولة، ذلك لأن القرار 2585 الذي تبناه المجلس في بداية الشهر السابع من العام 2021، جاء بعد بوادر التقارب التوافقي بين واشنطن وموسكو بعد اجتماع كل من فلاديمير بوتين ونظيره جو بايدن أثناء لقائهما الأول في جنيف بعد تولي بايدن إدارة البيت الأبيض.
أوحت تلك الفترة من خلال اللقاء الذي جمع الزعيمين أن هناك توافقاً مبدئياً حول عدد من ملفات الصراع بينهما، بما في ذلك الأزمة السورية، وأن التوافق على هذا القرار جاء بعد جملة التصادمات التي حصلت بين وفديهما في مجلس الأمن، ليعتبر أنه من الممكن أن تتسع دائرة التوافق بينهما لتطال الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية، وهو ما يمهد لحل سياسي في سورية بتوافق دولي.
إلا أن تسارع التطورات السلبية بشكل دراماتيكي للعلاقات بين الدولتين خلال العام المنصرم، لم تصب في خدمة هذا التصور ولم توفر المناخ والظروف الإيجابية كما كان مأمولاً به، بل على العكس من ذلك أدت هذه التطورات لانعكاسات سلبية على آليات الحوار والتعاون بين الدولتين بعد تفجر الأزمة الأوكرانية وهو ما أرخى بظلاله الرديئة على الأزمة السورية.
بالعموم، من خلال تعقب التصريحات التي أدلى بها ممثلو الدول والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية في الجلسة الأخيرة التي عقدها مجلس الأمن بتاريخ 20 أيار الجاري المتعلقة بالأوضاع الإنسانية في سورية، توحي بأن المرحلة المقبلة ستشهد كباشاً سياسياً مؤكداً ما بين المتبني لنهج إيصال المساعدات عبر الحدود، بعيداً عن إشراف الحكومة السورية، والداعم لإيصال هذه المساعدات عبر الخطوط، بالتنسيق مع دمشق، وهذا برز في:
أولاً- كان لافتاً خلال هذه الجلسة الانقسام السائد في مواقف وتصريحات ومفردات رؤساء البعثات الدبلوماسية، وهو ما يعكس طبيعة اشتداد الصراع الذي يشهده النظام الدولي، ومعظم هذه المواقف تحدد الأغراض والأهداف السياسية وليست الإنسانية.
ثانياً- من المؤكد أن معركة «كسر العظم» التي تشهدها الساحة الأوكرانية ستستمر في ترك تداعياتها على الملفات الأخرى، بما فيها الأزمة السورية، التي تشهد توسيعاً لدائرة المناكفات السياسية والعسكرية بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الروسي، كان آخرها نقل واشنطن لما يزيد على 33 قيادياً من تنظيم داعش الإرهابي من السجون التي تديرها ميليشيات قسد إلى منطقة التنف وذلك قبل أسبوع من استهداف حافلة تقل عسكريين ومدنيين في طريق ريف الرقة، تخللها قيام سلاح الجو الروسي بقصف مواقع لميليشيات ما يسمى «جيش المغاوير» بالقرب من قاعدة التنف، ومن ثم فإن ازدياد التوتر الميداني سيقابله التأزم السياسي في المواقف والتوجهات.
ثالثاً: من النقاط اللافتة جداً التي برزت في هذه الجلسة هو موقف دولة الإمارات المتحدة، والذي عبر عنه السفير محمد بوشهاب نائب المندوب الدائم، عندما رفض أن تخضع آلية إيصال المساعدات عبر الحدود للأهداف والمصالح السياسية للدول «في إشارة للنظام التركي الذي يوظف وجود معبر باب الهوى، على أراضيه للتحكم في مسار الشاحنات واستغلالها لإدخال الأسلحة والمسلحين وإخضاعها لسيطرة وأهواء جبهة النصرة»، ومطالبة بوشهاب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بدعم مشاريع التنمية المبكرة ومساعدة الحكومة الشرعية في إعادة بناء البنى التحتية ورفع الإجراءات القسرية عنها، في إشارة إلى ما يسمى «قانون قيصر»، وهذا الموقف الإماراتي يشير إلى زيادة توسع الدول الراغبة في إنهاء الأزمة السورية ويقوي من موقف حلف سورية في مجلس الأمن، ويعزز في الوقت ذاته من موقف روسيا داخل هذا المجلس وفي المجتمع الدولي ويسقط كل المحاولات الغربية الدعائية والإعلامية والاقتصادية التي اتبعها تجاه موسكو لعزلها والتقليل من نفوذها ودورها في الساحة الدولية.
رابعاً: توجيه المندوب السوري الاتهام للولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا لعرقلة تنفيذ بنود قرار 2585، بالتوازي مع اتهام الكيان الصهيوني باستهداف المطار وقبلها المرافئ الساحلية، ما يؤكد حقيقة أن السلوك العدواني الصهيوني لم يكن أن يتم لولا الضوء الأخضر الأميركي إن لم يكن بتوجيه مباشر، وغرضه تعطيل أحد المواقع الحيوية التي ساهمت وفق ما أكده المنسق المقيم للأمم المتحدة في سورية في بيان صادر عنه بتاريخ 13 حزيران في تيسر حركة 2143 من العاملين الإنسانيين ونقل الإمدادات المنقذة للحياة وتوفير دعم وخدمات أساسية لأكثر من مليوني سوري في محافظات حلب والحسكة ودير الزور والرقة، عبر الرحلات الجوية الإنسانية للأمم المتحدة، واستهدافه بهذا التوقيت وقبل شهر من الجلسة المقررة حول آلية الدعم المقدمة لسورية التي توحي بأن واشنطن تريد التذرع بإبقاء آلية الحدود وتوسيعها على حساب آلية الخطوط بعد تعطيل المطار وإخراجه من الخدمة.
خامساً: على الرغم من الأرقام والبيانات المخيفة التي أعلنها الأمين العام ووكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، حول وجود 14.6 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية، ووقوع 90 بالمئة من السكان تحت خط الفقر، وتداعي البنية التحتية وانخفاض النشاط الاقتصادي إلى النصف، إلا أنهما لم يتحليا بالجرأة الكافية والموضوعية الأخلاقية في توجيه الاتهام لما تسبب في ذلك سواء بدعم الإرهابيين أم فرض الإرهاب الاقتصادي.
سادساً: في ظل ما سبق من معطيات تتضمن مؤشرات تصعيدية محتملة، سنكون أمام عدة سيناريوهات متوقعة فيما يتعلق بآلية إيصال المساعدات بعد شهر وما يتخللها من مشاورات، أبرزها:
1. عدم التوصل لأي توافق حول مشروع جديد أو القرار الحالي 2585، ما يعني عدم شرعية دخول أي قافلة مساعدات أممية عبر الحدود وتعطلها.
2. التوصل إلى توافق على صيغة جديدة أو الصيغة الماضية من القرار بعد إدخال تعديلات عليها ما يتناسب من متغيرات ميدانية للجيش العربي السوري.