في 7 كانون الأول 2020 ألقى الرئيس بشار الأسد كلمة مهمة أمام الاجتماع الدوري لوزارة الأوقاف في جامع العثمان بدمشق، وآن ذاك خرج بعض المتصيدين في الماء العكر للقول إن بلداً يواجه حرباً اقتصادية، ويعيش الناس في وضع صعب للغاية، فكيف للرئيس أن يتحدث حول مثل هذه القضايا الفكرية، والاجتماعية وفي مثل هذه الظروف، وعلى الرغم من أن الرئيس الأسد أوضح في بداية ذلك الخطاب المهم جداً أن القضايا الاقتصادية تزول بمجرد زوال أسبابها، لكن القضايا الفكرية، والعقائدية هي قضايا مزمنة، وما قد نخسره اليوم من الصعب استعادته، وشبه العالم بمحيط هائج تضرب أمواجه في كل الاتجاهات، وفكرياً يريد دفع المجتمعات للدرك الأسفل من خلال ضرب بنية المجتمع وعقائده ورموزه، ودعا آنذاك إلى التحصين كطريق إجباري للوقاية والحماية، وأشار بوضوح شديد إلى القيم التي يتم الترويج لها من قبل الليبرالية الحديثة، ومنها: الزواج المثلي، اختيار الطفل لدينه لاحقاً، تحديد نوع الجنس عبر عمليات التحول الجنسي، والترويج للمخدرات، أي فصل الإنسان عن أي مبادئ أو قيم أو انتماءات، وضرب إنسانية الإنسان، وتحويل المرجعية الجماعية لمرجعية فردية بحيث يتحول الفرد إلى عبدٍ لرغباته، وأن كل ما يفعله هذا الفرد «الأنا» صحيح بغض النظر عن المجتمع، فرغباته هي المحرك الأساس وليس الأسرة، والمجتمع بحيث يتم تدمير العقائد في المجتمعات.
كي نفهم بشكل أعمق ما قصده الرئيس الأسد سأحاول أن أطل سريعاً على الاتجاه الغربي لتعزيز المثلية الجنسية كمثال على ذلك، إذ إن هذه المثلية تقف خلفها مافيات حقيقية ليتحول التشكيك العلمي بها، أو الوقوف ضدها حماية للمجتمع، نوعاً من التشكيك بالهولوكوست، حيث يتم العمل على أكاذيب مثل تضخيم أعداد هؤلاء، وتحويلهم إلى أقلية لها حقوق ومظالم، مع الدعوة للتسامح معهم، والاتجاه نحو العلانية والقوننة والاحتفالات، ورفع أعلام الشاذين جنسياً، والسؤال هنا: إذا كان الشاذ مريضاً، فالأولى أن تتم معالجته علمياً وطبياً، وليس الترويج لهذه القيم المخالفة للطبيعة والعقائد والأديان، وحتى الآن لم تثبت الدراسات العلمية أن للأمر علاقة بالجانب الجيني أو الحامض النووي، لا بل إن الإعلامي مارك دايس قال: «إن الإعلام الليبرالي أجرى عملية غسل دماغ من خلال بروباغندا المثليين الجنسيين حتى تقنع الأميركيين بارتفاع نسبهم في المجتمع الأميركي»، وأما العالم الأميركي الشهير في علم الوراثة دين هامر والمؤيد للمثلية الجنسية، وبعد الانتقادات العلمية لدراسات قام بها، أقر أنه لم يتم اكتشاف أي جين مسؤول عن التوجه الجنسي، بل يعتقد أنه ليس موجوداً أصلاً، وأي محاولة لإثبات وجود جين واحد محاولة عبثية.
لست هنا بصدد النقاش العلمي لهذا الملف، لكن تركيزي سيكون على أهداف الترويج لذلك والأدوات المستخدمة، ومنها:
1- محاولة القول إن هذه القيم، ومنها المثلية الجنسية، هي نوع من أنواع الحريات.
2- تكثيف الضخ الإعلامي والاحتفالات بهذا الأمر هدفه قبولنا به كأمر واقع.
3- مع ظهور منصات رقمية مثل «نتفلكس» وغيرها، بدأ الترويج لذلك من خلال الإقحام والحشو في السياق الدرامي، وقبل أيام منعت الصين و14 دولة أخرى أفلام كرتون أنتجتها «ديزني لاند» تروج للمثلية الجنسية للأطفال.
4- محاولات الترويج لمفاهيم جنسية ما تحت السن القانونية.
5- فرض تقبل الشذوذ والضغط لقوننته في القوانين الوطنية.
6- نشر الشذوذ عبر السياسة من خلال تعيين العديد من الشواذ في أعلى المناصب القيادية، وعندما يشير البعض إلى فلوديمير زيلينيسكي، أو إيمانويل ماكرون، أو وزراء في أميركا، وأوروبا، يأتينا الجواب هذه حريات شخصية، وبأن السير في هذا الاتجاه هو قمة الحريات والديمقراطية، ويحاولون الإيحاء أن قبول هذا الأمر جزء من خريطة الطريق للتصنيف النيوليبرالي الجديد للدول الديمقراطية والاستبدادية.
القضية لا تتعلق في مجتمعاتنا فقط، ولكنها جزء من المواجهة المطلوبة، والتحالف مع غيرنا لوقف هذا الانحلال الأخلاقي والترويج له، ففي 25 حزيران 2020 رفع الدبلوماسيون الأميركيون علم المثليين على مبنى سفارة بلادهم في موسكو احتفاءً بالذكرى الـ42 لأول ظهور لعلم «قوس قزح» رمزاً للمثلية في سان فرانسيسكو عام 1978، لكنه كان رسالة للروس الذين أقروا تعديلات دستورية تتضمن «حماية مؤسسة الزواج كاتحاد بين الرجل والمرأة»، خاصة أن الرئيس فلاديمير بوتين قال في 13 شباط 2020 إن العائلة في روسيا لن تتألف من «والد رقم 1» و«والد رقم 2» بل ستتألف من «بابا وماما» ما دمت رئيساً للبلاد، وليس بعيداً عما قال الرئيس الأسد في خطابه بجامع العثمان، قال بوتين في أحد خطاباته: «نحن نرى كيف أن دولاً أورو-أطلسية سارت على طريق التخلي عن جذورها بما في ذلك عن القيم المسيحية التي تشكل أساس الحضارة الغربية، فهي تنكر المبادئ الأخلاقية، وأي هوية تقليدية قومية، ثقافية دينية بل جنسية، وتنتهج سياسة تضع على مستوى واحد العائلة المتعددة الأطفال، وشراكة مثليي الجنس… الإيمان بالله، والإيمان بالشيطان، محذراً من أن ذلك هو طريق مباشر إلى الانحلال».
وكان مجلس الدوما الروسي قد حظر عام 2013 الدعاية للشذوذ الجنسي، والإجهاض، وحظر الإجهاض بعد الأسبوع الـ12 من الحمل.
الصينيون من جانبهم أقروا مادة تعليمية تتناول موضوع الرجولة، ومقوماتها، لمنع ظهور الشذوذ، ويرفضون مثل الروس والسوريين وغيرهم من المجتمعات ذات الجذور الحضارية والعريقة، هذا الانحلال الأخلاقي الغربي الذي تقوده مافيات عالمية تضم سياسيين وباحثين، ونجوم سينما، ووسائل إعلام، ووسائل تواصل اجتماعي، وصحف صفراء، ومراكز بحوث.
الخطورة في هذا الأمر ليس المثلية الجنسية فقط، بل قيم أخرى عديدة مثل القتل الرحيم، والانتحار بمساعدة الآخرين، والاستعاضة عن القيم الدينية والاجتماعية الأصيلة بقيم ديزني لاند وهوليود، وتغير الجنس، وكم هائل من البدع تحت عنوان الحريات.
الخطورة الأكبر أن هذه المافيات اخترقت المؤسسات السياسية في الغرب، وبعض الكنائس المسيحية، والاتجاهات الإسلامية بهدف المأسسة بحيث نتحول نحن إلى مخالفين ومعادين للحريات والقيم التي يريدونها.
مواجهة هذه المخاطر على مجتمعاتنا، التي يمكن لها أن تتسلل إلى أطفالنا، وأجيالنا بطرق تصعب السيطرة عليها، ولا يمكن أن تتم إلا من خلال التحصين كما أشار الرئيس الأسد ومن خلال جهد جماعي كبير تنخرط فيه الأسرة، والمؤسسات التربوية والجامعية والإعلامية والثقافية والدينية، بهدف تحصين أجيالنا، وأبنائنا من هذه المخاطر، لكن بطرق علمية وإقناعية بالطبع.
في عام 1995 انتقد البابا الراحل يوحنا بولص الثاني بشدة ما سماه خضوع الغرب لثقافة الموت، أي خضوعه للجرائم المنافية للأخلاق، والثورة الجنسية، وتفشي الطلاق، والفسق في كل مكان، والفن الإباحي، واللواط، وحركات تحرير المرأة، والإجهاض، وزواج مثليي الجنس، والاستعاضة عن القيم المسيحية بقيم هوليود.
إنها مواجهة صعبة وخطرة، ليست بالنسبة لنا في سورية، بل لكل المجتمعات التي لديها جذور حضارية عميقة، وخسارة هذه المواجهة من الصعب تعويضها في المستقبل، إنها خسارة إستراتيجية، ولذلك لا يمكن التهاون تجاهها.
خاطب الرئيس بوتين الغرب بوضوح شديد بالقول «اتركوا أطفالنا بسلام»، وهو تحذير واضح من خطورة الترويج والدعاية لهذه القيم الشاذة، أما الرئيس الأسد فقد كان على حق عندما حذر من مخاطر ذلك على أطفالنا وأجيالنا إذا لم نفهم الخلفيات والأبعاد والأدوات الحقيقية من أجل المواجهة، ولأن الدين وقيمه السامية مهم جداً في هذه المواجهة، فإنه يتعرض للهجوم والتشويه، وعندما أقول الدين لا أقصد أولئك الذين انتحلوا صفة الدين كمتطرفين، إنما أقصد القيم والمقاصد التي دعا لها الإسلام وكذلك المسيحية، كما لابد من الاستفادة من الإرث القيمي الاجتماعي والعادات والتقاليد التي نمتلكها عبر آلاف السنين، التي لا نحتاج فيها إلى تقليد الغرب في تفاهاته وبعض قيمه المنحطة، ومن هنا فإن تعزيز القيم الدينية والأخلاقية والتربوية وتمتين الأسرة والمجتمع أساسي لمواجهة ثقافة الأنانية والجشع والانحراف والشذوذ التي يروج لها الغرب بأدوات خطيرة ومتنوعة.