ثقافة وفن

في الذكرى الثالثة لرحيل أميرة الطرب وردة الجزائرية…رحلة نجاح وألم مع كل فاصلة غنائية كانت في حياتها

وائل العدس

صوت لازمَ الفرح وحضور أمدّنا بشيء من طاقته وحيويّته في أوقات حلوة ومرّة، بل إنه علامة من علامات الغناء في القرن العشرين.
بدأت الغناء بالفرنسية، قبل أن تختار الأغنية العربية طواعية، وحرّكت مشاعر عشرات الملايين بأدائها الزاخر بالانفعالات وحنجرتها الباذلة.
إن ما يميز وردة الجزائرية عن غيرها أنها كانت ملمة بالفن والغناء العالمي بحكم الوسط الذي نشأت فيه في فرنسا، وفي الوقت نفسه حبها للفن والطرب العربي, هذه الازدواجية أو التعددية الفنية جعلت منها فنانة ومطربة متكاملة ومتجانسة ما جعل كل الملحنين الذين مروا عليها يجدون ضالتهم معها, علماً أنها عملت مع جميع الملحنين على مختلف ألوانهم وألحانهم وهنا يكمن سر نجاحها، وهذا يظهر جلياً في كل أغانيها حينما نتبع مسارها الغنائي حيث نجد أن كل أغنية من أغانيها تختلف عن سابقتها مع الحفاظ على روح الموسيقا العربية.
ورغم اختلاف الأجيال التي غنت لهم بقيت وردة محافظة على تلك الروح العربية داخل أغانيها ولم تنجرف وراء ما يسمى الأغاني التجارية، ما جعلها تحافظ على جمهورها وعشاقها بل أكثر من ذلك كسبت ذوقهم وقلوبهم.

سيرة حياتها
ولدت وردة في فرنسا لأب جزائري وأم لبنانية من عائلة بيروتية، مارست الغناء في فرنسا وكانت تقدم الأغاني للفنانين المعروفين في ذلك الوقت مثل أم كلثوم وأسمهان وعبد الحليم حافظ، وعادت مع والدتها إلى لبنان وهناك قدمت مجموعة من الأغاني الخاصة بها.
كان يشرف على تعليمها المغني الراحل التونسي الصادق ثريا في نادي والدها في فرنسا، ثم بعد فترة أصبح لها فقرة خاصة في هذا النادي.
قدمت لمصر عام 1960 بدعوة من المنتج والمخرج حلمي رفلة الذي قدمها في أولى بطولاتها السينمائية «ألمظ وعبده الحامولي» لتصبح فاتحة إقامتها المؤقتة بالقاهرة، ولها أفلام أخرى «آه ياليل يازمن» و«حكايتي مع الزمان» مع رشدي أباظة و«ليه يا دنيا»، و«صوت الحب».
كان ميلادها الفني الحقيقي في أغنية (أوقاتي بتحلو) التي أطلقتها في عام 1979 م في حفل فني مباشر من ألحان سيد مكاوي. كانت أم كلثوم تنوي تقديم هذه الأغنية في عام 1975 لكنها ماتت، لتبقى الأغنية سنوات طويلة لدى سيد مكاوي حتى غنتها وردة.
شاركت وردة في عدد من الأفلام، منها: «ألمظ وعبده الحامولي» مع عادل مأمون، و«أميرة العرب» و«حكايتي مع الزمان» مع رشدي أباظة، و«صوت الحب» مع حسن يوسف، قدمت مسلسل «أوراق الورد» مع عمر الحريري، وبعد أربع سنوات شاركت بمسلسل «آن الأوان» من تأليف يوسف معاطي وإخراج أحمد صقر، جسدت فيه شخصية سيدة تملك شركة إنتاج كاسيت تقف بجوار الأصوات الجيدة، وهو قريب من سيرتها الذاتية.
تعاملت مع كبار الملحنين منهم رياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب ومحمد القصبجي وفريد الأطرش ومحمد الموجي وسيد مكاوي وبليغ حمدي وكمال الطويل وصلاح الشرنوبي وحلمي بكر.
من أشهر أغانيها «في يوم وليلة»، و«وحشتوني»، و«بتونس بيك»، و«حرمت أحبك»، و«نار الغيرة»، و«خليك هنا»، و«فين أيامك»، و«مغادير»، و«أكذب عليك».

اعتزال وانفصال
اعتزلت الغناء سنوات بعد زواجها، حتى طلبها الرئيس الجزائري هواري بومدين كي تغني في عيد الاستقلال العاشر لبلدها عام 1972، بعدها عادت للغناء فانفصل عنها زوجها جمال قصيري وكيل وزارة الاقتصاد الجزائري، فعادت إلى القاهرة، وانطلقت مسيرتها من جديد وتزوجت الموسيقار المصري الراحل بليغ حمدي لتبدأ معه رحلة غنائية استمرت رغم طلاقها منه سنة 1979.
كان لحمدي دور أساسي في نجاح وردة كما كانت عنصراً مهما في حياته فنياً وعاطفياً ما جعله أكثر إبداعاً ورقياً، فقد شكلا مع بعض ثنائياً فجّرا نهضة فنية لم يسبق أن شهدها الطرب العربي إلى يومنا هذا، حتى أصبحت مدرسة وصنعت لنفسها نموذجاً غنائياً خاصاً بها.

مسلسل
فور وفاتها، تردد إنتاج مسلسل يروي سيرة حياة وردة، وتم ترشيح كل من أنغام وآمال ماهر لتجسيد شخصيتها، وخاصة أنها حلمت بتصوير عمل عن سيرة حياتها لأنها كانت على يقين بأنه سيكون مثار ضجة.
لكن نجلها رياض القصبي رفض رفضاً قاطعاً تقديم أيّ عمل عن حياة والدته، وأن كل ما يتردد مجدّداً مجرد شائعات، وأنّ ابنها لا يزال على قناعة بأنه لا يصحّ تقديم عمل عن والدته لأن من سيقدم العمل لا يعرف الكثير عنها سواء في منزلها أم وسط أسرتها، كما أن أغلب أعمال السيرة الذاتية التي قُدمت طوال السنوات الماضية شوّهت بعض الأشخاص.

ثلاثة قرارات
تعرضت وردة خلال إقامتها ورحلتها الفنية في مصر إلى الإبعاد ثلاث مرات بقرارات من ثلاثة رؤساء مصريين، أولها قيام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بإبعادها عن بلد الأهرامات عندما تسربت إليه أنباء عن علاقة تربطها بالمشير عبد الحكيم.
وثانيهما في عهد الرئيس السادات عندما قامت وردة بالغناء في ليبيا لمعمر القذافي في فترة التوتر التي شهدتها العلاقة بين مصر وليبيا، واعتبرها السادات تصرفاً غير لائق فمنعها من الغناء قائلاً: «قرصة ودن لبنتنا حتى ما تكررش ده تاني»، إلا أنه بعد فترة طلب من وزير الثقافة عبد المنعم الصاوي السماح لوردة بالعودة للغناء».
أما القرار الأخير الذي وقع عليها فكان في عهد محمد حسني مبارك عندما قالت للجنود: «الريس بيقولكم تصفقوا» واعتبر هذا القول خروجاً عن البرتوكول فتم منعها من الغناء بشكل غير معلن.

حفل تكريم
في التاسع والعشرين من حزيران من عام 2012، أقامت فرقة التخت الشرقي النسائي السوري حفل تكريم للفنانة للراحلة على مسرح دار الأوبرا بدمشق، وسردت في دليل الحفل سيرتها، وقدمت خمس أغان شهيرة لها.
وكان بين الأغاني المقدمة أغنية «أكذب عليك» لمحمد الموجي وثلاث أغان لمحمد عبد الوهاب.

صدمة
خلال أيامها الأخيرة شعرت وردة بتخلي زملائها عنها بتوجيه الانتقادات الجارحة لها، وأنها أصبحت لا تجيد الغناء، وأن صوتها أصبح «نشازاً»، وهو الأمر الذي جعلها لا تكفّ عن البكاء.
وأصبحت حالتها النفسية متردية بسبب مطالبة زملائها لها بالاعتزال، وخاصة بعد آخر «ديو» قدمته مع الفنان عبادي الجوهر «زمن ما هو زماني»، والذي تعرضت بعده لموجة نقد حادة.
ورداً على الانتقادات صرّحت وقتها أنها لن تتوقف عن الغناء ما دامت قادرة على العطاء حتى لو اضطرها الأمر إلى الغناء من دون مقابل، وأنها ستظل تغنّي إلى أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، مشددة على أن انتقادات البعض لها لن تؤثر عليها وتجعلها تتوقف عن مسيرتها الفنية، إضافة إلى أن الغناء بالنسبة لها هو الحياة، وأن الجمهور بالنسبة لها هو الهواء الذي تتنفسه وتعيش بفضله.
وأوضحت أن جمهورها مازال يستمتع بغنائها وصوتها الذي أسعدت به الملايين في الوطن العربي، وأنها تكون في قمة سعادتها عندما تشعر بقدرها عند محبيها ومدى تمسّك جمهورها بها وبصوتها.

وداع
توفيت وردة في منزلها في القاهرة في 17 أيار 2012 إثر ازمة قلبية ودفنت في الجزائر ووصلت في طائرة عسكرية بطلب من رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة وكان في استقبالها العديد من الشخصيات السياسية والفنية ليتم دفنها في مقبرة العالية بالجزائر العاصمة. وكانت قبل وفاتها قالت «أريد العودة إلى الجزائر فوراً».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن