في سياق تصعيدي غريب، يتحدى إقليم كردستان بقيادة آل البارزاني الدولة العراقية في سلسلة من الإجراءات والمواقف والتصريحات الاستفزازية التصعيدية التي تحمل في طياتها نزعة انفصالية، وخيبة أمل من تفكّك «تحالف إنقاذ وطن» بانسحاب مقتدى الصدر منه، ما حَرم آل البارزاني فرصة اختراق الدولة العراقية لتحقيق أحلامه في استمرار نهب ثروات العراق والانفصال.
فبعد أن هاجم مجلس قضاء إقليم كردستان في بيان له في الـ4 من حزيران 2022 المحكمة الاتحادية العليا، رافضاً قرارها الصادر في 15 شباط 2022، بإلغاء قانون النفط والغاز الخاص بإقليم كردستان معتبراً أنها «لا تملك أي سلطة دستورية، وبالتالي لا يزال قانون النفط والغاز لإقليم كردستان سارياً»، طلبت محكمة تحقيق أربيل في الـ6 من حزيران 2022 تأجيل عدد من الدعاوى المدنية التي رفعها وزير النفط الاتحادي على شركات النفط والغاز العالمية العاملة في إقليم كردستان، بعد أن استدعت المحكمة التجارية/الكرخ في بغداد في الـ19 من أيار 2022، الشركات العالمية العاملة في إقليم كردستان.
وزارة الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كردستان أعلنت في بيان لها في الـ13 من حزيران الجاري «استدعاء المحكمة التجارية/الكرخ في بغداد، شركات: «دي. إن. أو» و«يسترن زاكروس» و«أتش. كيه. إن» و«شارمان» و«غينيل إنيرجي» و«أداكس» و«غولف كيستون»، فيما يمثل أحدث سلسلة من الإجراءات غير القانونية التي اتخذها وزير النفط في حكومة تصريف الأعمال ببغداد»، وبأن «هذه الممارسات غير القانونية تستند إلى الحكم الصادر عن محكمة في بغداد تسمي نفسها المحكمة الاتحادية العليا»! مشيرة إلى أن حكومة إقليم كردستان رفعت في الثاني من حزيران 2022 «دعوى في محكمة تحقيق أربيل على المدير العام في وزارة النفط في الحكومة الاتحادية، بسبب استغلاله سلطته وموقعه، وترى حكومة إقليم كردستان أن المدير العام كان يمارس تخويف الشركات والتدخل في حقوقها التعاقدية مع حكومة الإقليم عبر الرسائل وبالبريد الإلكتروني»، وأنه في الـ5 من حزيران الجاري، قضت محكمة التحقيق في أربيل بضرورة إحالة الدعاوى المرفوعة ضد الشركات العالمية من محكمة الكرخ التجارية إلى محكمة تحقيق أربيل للتحقيق بشأنها كدليل على شكوى جنائية»! كما «رفع وزير الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كردستان دعوى مدنية على وزير النفط في الحكومة الاتحادية، باعتباره مسؤولاً عن إرسال الرسائل الإلكترونية إلى تلك الشركات بهدف ترهيبها والتدخل في حقوقها الخاصة بالعقود المبرمة مع حكومة إقليم كردستان»، بحسب البيان.
في الـ17 من حزيران 2022، أعلن المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان في بيان له عن تأسيس شركتين للنفط، الأولى «كروك» مختصة باستكشاف النفط، والثانية «كومو» تعمل على تصدير وتسويق الخام من الإقليم!
وفي تصعيد يُعد الأول على هذا المستوى، قال رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني خلال كلمة ألقاها في أربيل في الـ18 من حزيران 2022 في حفل للتعريف بسلسلة وثائقية بعنوان «ثورات بارزان»: «إذا كان هناك من يعتقد أنه من خلال القوة والسلاح يستطيعون فرض سيطرتهم علينا، فهذا محال، آخرون سبق وجربوا ولم ينجحوا»، مؤكداً أن «الحرب هي الخيار الأسوأ، ولا يجب التفكير فيه، لكن الأسوأ من الحرب هو الاستسلام، ونحن لن نستسلم، هذا الإقليم بني بدماء الشهداء وسوف نحميه بالدم».
عرفات كرم مسؤول شؤون العراق في مقر مسعود البارزاني، أعلن هو الآخر في الـ18 من حزيران 2022، أن «كل من يحاول القضاء على الأمة الكردية فهو واهم وعليه أن يتحاور معنا كأمة لا بحسب عدد مقاعدنا في البرلمان، ولا بد أن يتعاملوا معنا كأمة وشعب».
وفي لقاء مع مديري الوسائل الإعلامية في الـ20 من حزيران الحالي، قال مسرور البارزاني رئيس حكومة الإقليم: إن «الثروات الطبيعية لكردستان كانت تسرق لغاية عام 2003 وتتحول إلى قنابل استخدموها لتدمير بلدنا»، مشيراً إلى أن «المحكمة الحالية تشكلت في عهد بريمر، وهي مستمرة في عملها إلى اليوم، ولا وجود لمحكمة اتحادية توائم الدستور في العراق إلى الآن»، مبيناً أن «شركة تسويق النفط العراقية «سومو» لم تتشكل بناء على الوضع الجديد في العراق، وقد طالبنا بإعادة تشكيلها، وأن يكون نائب مديرها من كردستان مع منحه حق النقض»!، محذراً من مغبّة «انتهاك حقوق الأكراد».
سياسة فرض الأمر الواقع المنتهجة من قبل آل البارزاني، هي السائدة في الشمال العراقي منذ أن فرضت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا حظراً جوياً عند الخط 36 أواخر شباط 1991، وتعمقت باحتلال العراق عام 2003، بما يمكن وصفها بالنوازع الانفصالية والمطامح التوسعية لدى البارزاني.
عندما استولت البيشمركة الكردية على كركوك وبعض المناطق الأخرى، بعد انسحاب الجيش العراقي منها في الـ12 من حزيران 2014 لتجميع قواته في مواجهة داعش، قال مسعود البارزاني حينها في مقابلة مع قناة «صوت أميركا»: «حان للكُرد في العراق تقرير مصيرهم»، ومع بداية انخراط قوات البيشمركة في قتال داعش، أعلن البارزاني، أن «حدود الإقليم ترسم الآن بالدم»! وكأن العراقيين بلا دم.