تزداد متانة العلاقات الصينية الروسية على الرغم من محاولات الغرب البائسة استخدام الأزمة الأوكرانية في التحريض لشق تحالف البلدين، ويعتبر انعقاد منتدى بطرسبرغ الاقتصادي وقمة بريكس في بكين دليلاً على قوة التحالف الروسي الصيني في إطار التعددية القطبية.
منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي أكد على «فرص جديدة في عالم جديد»، في مواجهة تصاعد العقوبات والضغوط الغربية ضد موسكو، وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في افتتاح المنتدى، إن العالم لم يعد كما كان، وإن «زمن الهيمنة الأميركية قد ولى»، وفي إشارة إلى التداعيات الاقتصادية للعقوبات الغربية، قال بوتين: إنها هدفت إلى تدمير الاقتصاد الروسي، ولم ينجحوا لأن قطاع الاقتصاد الروسي عمل بكفاءة، والشعب الروسي كرس وحدة الصف، ولقد اعتقدوا أن الدولار سيصبح 200 روبل، والعقوبات ستفتح فرصاً كبيرة للمضي قدماً فيما يخص الاستقلال التكنولوجي، كما أن المنتدى أثبت استقلالية روسيا واستقرارها في ظل العقوبات الغربية المفروضة على قطاعات مختلفة من الاقتصاد الروسي.
في منتدى بطرسبورغ تم توقيع صفقات وعقود بحوالى 6 تريليونات روبل أي ما يزيد على 105 مليارات دولار، والحدث هذا العام شهد مشاركة 14 ألف مشارك من 131 دولة، ومنها 79 دولة أرسلت ممثلين رسميين عنها.
الرئيس بوتين ذكّر بما قاله في دافوس منذ عام ونصف إن العالم أحادي القطب قد انتهى، وأكد أن دول الغرب تعتبر كل الدول الأخرى «مستعمرات» من الدرجة الثانية، وإن الولايات المتحدة تعتبر نفسها «رسول اللـه على الأرض»، بالمقابل ذكر الرئيس الصيني في كلمته أمام منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي الـ25 افتراضياً، إن نمو حجم التجارة بين الصين وروسيا، والذي بلغ منذ بداية العام 65 مليار دولار، يشهد على القدرة على مقاومة الضغوط وإمكانات التعاون بين البلدين.
في 14 حزيران 2022، أجرى الرئيس الصيني، اتصالاً هاتفياً بنظيره الروسي، وتعهدا خلاله بالدعم المتبادل، وأن «التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين أحرز تقدماً مطرداً، ويعتبر الاتصال بأنه إشارة إلى الشراكة الإستراتيجية الوثيقة بين الصين وروسيا والثقة المتبادلة رفيعة المستوى.
يركز الموقف الصيني على أن نجاح الغرب في محاصرة روسيا هو مقدمة لتطبيق الإستراتيجية نفسها ضد الصين مستقبلاً وخاصة حول تايوان.
من جانب آخر، انتصار روسيا في الحرب الأوكرانية سيحقق هدفين للصين: أولهما، وقف عجرفة الغرب في تعاطيه مع قضايا العالم، ليدرك ويستوعب ظهور نظام عالمي جديد. وثانيهما، أن الحرب الأوكرانية كانت درساً لدول الجوار الصيني.
الوضع في الأزمة الأوكرانية متداخل بالنسبة للصين، بين الإستراتيجي والمبدئي، إضافة إلى عامل المصالح الاقتصادية والتجارية المتشابكة.
الصين أكبر شريك اقتصادي لروسيا، وهي تستورد من روسيا النفط والغاز والسلاح، على حين تصدر لها كل شيء تقريباً، وهذا ما يجعل الاقتصادين متكاملين.
الاقتصاد الصيني الضخم يمثل المنقذ للاقتصاد الروسي بعد تشديد العقوبات الغربية، وخاصة ما يتعلق باستمرار تصدير النفط والغاز إلى السوق الصينية في حال أغلقت الأسواق الأوروبية والغربية أبوابها أمام صادرات الطاقة الروسية.
يُعتبر منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي اختباراً لقدرة روسيا على الصمود اقتصادياً والانتقال نحو تكتلٍ اقتصادي، وأظهر المنتدى اتجاهين مهمين شكلاً ومضموناً:
من حيث الشكل؛ اسم المنتدى يحمل اسم ثاني أكبرَ مدينة روسية ترمز للصمود في وجه النازية، وشعار المنتدى هذا العام «عالم جديد»، إنها رؤية روسية تتجسد بظهورِ قطب يتمكن من دعوةِ أربعين دولة بقدراتها الاقتصادية والبشرية الكبيرة ما يعني أن الحرب الأوكرانية لا تسبب عزلة للنظام الروسي، أما من حيث المضمون فاللافت قول الرئيس بوتين خلال المنتدى: إن الوضع الراهن في أوروبا سيؤدي إلى تغيير النُّخب الحاكمة في المستقبل، والانتخابات البرلمانية الفرنسية أظهرت خسارة الرئيس إيمانويل ماكرون للأغلبية البرلمانية في الانتخابات التشريعية كأسوأ نتيجةٍ لرئيس فرنسي في الجمهورية الخامسة، كما مُنِي رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، وحزبه المحافظ بهزيمتَين ساحقتَين في الانتخابات الفرعية الأسبوع الماضي، وخصوصاً في دائرة جنوب غرب إنكلترا.
قال الرئيس الصيني في كلمته بافتتاح اجتماع قمة بريكس في بكين في 23 حزيران 2022 لنتحد ونتقدم إلى الأمام بشجاعة، ونعمل معاً على خلق مستقبل جميل للبشرية.
الصين تنظر إلى روسيا كشريك إستراتيجي مهم لتحدي هيمنة الولايات المتحدة وحلفائها، والصين تنظر إلى «الجغرافيا السياسية على اعتبارها عاملاً حاسماً في العلاقات التي تربطها بروسيا، والأزمة الأوكرانية فرضت وقائع عالمية جديدة، ومعارضة الصين وروسيا للهيمنة الأميركية تُعد أحد أشكال التعاون الإستراتيجي بين بلدين يشكلان قطباً معارضاً في نظام عالمي متعدد الأقطاب.
إن انعقاد منتدى بطرسبرغ الاقتصادي وقمة بريكس الـ14 في بكين يؤكدان قوة التحالف الروسي والصيني وإن الليبرالية وحقوق الإنسان والديمقراطية هي نوع من الخدع لتبرير التخريب الغربي لأنظمتهما، وإن مثل هذه الأفكار ستصبح قريباً من بقايا نظام دولي يتآكل وسينتهي بفعل تناقضاته الداخلية، وسيحل محله نظام عالمي جديد.