ثقافة وفن

«الدار» لفايز قزق.. عرض مسرحي مرتجل يغوص في الواقعية! … تعرية الفساد والفاسدين… البقاء والتحدي حتى اللحظة الأخيرة في حكايات عديدة

| سارة سلامة - تصوير: طارق السعدوني

لا يكاد عرض يوقعه الأستاذ والفنان فايز قزق أن يمر من دون عصف كبير في الروح والذاكرة والفكر، حلبة حقيقية يخلقها وحالة من الصراع بين الممثل ونفسه، كي يبرز كل ما فيه من مكنونات يجعلها تطفو إلى المسرح دون كلل، ومن خلال عرض التخرج لطلاب السنة الرابعة مكثنا على خشبة مسرح فواز الساجر في المعهد العالي للفنون المسرحية لأكثر من ثلاث ساعات، قص فيها الطلاب حكاية لا نستطيع القول إنها منسوخة من الواقع لا بل هي الواقع بحقيقته وتجرده هي نسخة مصغرة عن كل ما يدور بنا. حيث يجسدون داراً للمسنين يعج بالحياة ويحمل معه كافة شرائح المجتمع يتعايشون مع بعضهم تجمعهم الألفة والكثير من الحكايات تعذبهم الذكريات وتعتصرهم القلة، إلا أنهم كانوا راضين إلى أن جاءهم قرار بتحويل الدار إلى مول تجاري الأمر الذي أثار غضبهم وجعلهم يشعرون بأهمية الخطر القادم محاولين منع هذه الصفقة بكل ما أوتوا من قوة.

ثاروا من اللحظة الأولى عروا الوزير الذي أتى ليعيث فساداً بوعود وقيم ليس لها مكان فاختاروا البقاء والمقاومة حتى اللحظة الأخيرة.

ليتجمعوا في نهاية المطاف كلوحة فنية استطاع أن يشكلها قزق بأجساد الطلاب الذين يحلمون ويبحثون بأنفسهم عن بر الأمان.. عرض مرتجل يخطف الأنفاس لا يوجد فيه مكان للراحة نعيش معهم قصص وحكايات بلهجات متعددة وتفاصيل مختلفة إلا أنها جميعها على امتدادها تعبر عنا وتحكي حكايتنا هي عينة واقعية عن بقعتنا الجغرافية وما مر عليها لسنوات بلحظات من الحزن والفرح عبروا بنا الطلاب إلى عالم مضيء يبشرنا أداؤهم ويعيد لنا مجد المسرح الحقيقي.

والطلبة المرشحون لنيل الإجازة في فن التمثيل هم كل من: «أحمد حمودة، آدم الشامي، آية أيوب آغا، جول لباد، جيانا عيد، درويش عبد الهادي، رزان نعوف، رياض نحاس، زين العابدين مريشة، سارة بركة، علي سلمان، عنر بدران، غفران هواري، فوز عليا، كرم شنان، كنان كريدي، مرهف الكراد، محمد غيث الأدهمي، وسام محمد، يارا خوري، ياسمين الجباوي».

تسليط الضوء على المجتمع

الأستاذ المساعد في مشروع التخرج حسن دوبا بين أنه: «تربطني عاطفة كبيرة بهؤلاء الطلاب فأنا معهم منذ السنة الدراسية الأولى؛ وهاهم الآن على أبواب التخرج وواضح من خلال تفاعل الجمهور أن هناك حالة من الرضا على أدائهم؛ فاليوم يحصدون تعبهم بعد عناء أربعة أعوام وطبعا العرض تحت إشراف الأستاذ فايز، الذي يعتبر دينامو لا يهدأ؛ ولا شك أن الفكرة من العرض أن هذا الدار الذي يجمع كل الشرائح، حاولت تسليط الضوء على شرائح مختلفة بسلبياتها وايجابياتها ببساطتها وطيبتها».

بيت حقيقي

الطالبة سارة بركة قالت: «نعمل على المشروع منذ أشهر، ورغم انشغالي في الموسم الرمضاني ولم يكن لدي ما يكفي من الوقت إلا أنني حاولت أن أعمل جهدي لاستغل ما تبقى من وقت، وخاصة أن النص يحتاج إلى تركيز فهو يعتمد على أسلوب الارتجال، حيث نأخذ فكرة عامة عن الخطوط والمشاهد والعلاقات وذاتيات الشخصيات وهي كلها قابلة للتطور، وشخصيتي كانت مريم وهي مشرفة الدار تجمعها علاقة بخطيبها المدير منذر؛ وهي فتاة قادمة من أحد الأرياف وتقيم في دمشق، وكانت ترى بخطيبها كل شيء وهو يعني دمشق بالنسبة لها، إلى أن تنهار هذه المنظومة أمامها، عندما يتورط خطيبها بقضية فساد ويعزم على هدم الدار. الأمر الذي شكل صدمة بالنسبة لها، فتحدث حالة من المواجهة».

وأضافت بركة: «مشاعرنا اليوم مختلطة بين الحزن والفرح، شعور جميل أننا نتخرج بعد سنوات من الكد، وصعب أننا سنبتعد عن المعهد الذي تربطنا معه ذكريات في كل مكان سواء بالمسرح والاستديو، هو بيت حقيقي بالنسبة لنا لكن بالنهاية كل مرحلة يجب أن تنتهي».

نخلق الشخصيات

وقال وسام رضا الذي جسد شخصية نادر في العرض: «اليوم كان خاصاً جداً حيث تتحدث عن مدينة دمشق في عرض هو مشروع ارتجال؛ حاولنا أن نشتغل مع الأستاذ فايز ونخلق الشخصيات وهذه الفرضية كي نعرضها بهذا الشكل بعد ستة أشهر تدريب، مشاعرنا اليوم لا توصف فيها كمية من الحزن والفرح في آن معاً؛ وفي كل مرة نقف فيها أمام الجمهور العداد يعمل من جديد ونرجع للخوف أو الرهبة التي تبدأ بالتلاشي تلقائياً بعد ثواني على الخشبة».

احتضان الشخصيات

بينما قال درويش عبد الهادي إن: «مشاعري اليوم خليط بين الخوف والسعادة خاصة أننا نكتب الآن نهايتنا بهذا المعهد الذي قضينا به سنوات دراسة. وعملنا على مدار العام على رسم واحتضان هذه الشخصيات حتى وصلنا لهذه النتيجة، وشخصيتي كانت ماجد حمود وهو مختار ورث المهنة عن والده وعندما كبرت ثروته يحاول أبناؤه سرقة كل مايملك فيرقد في المستشفى، ويتعرض لصدمة نفسية ويحدث معه اضطراب مع بعض الصدمة. وينقله أخوه بعد ذلك إلى دار العجزة. إلا أنه ما يزال يهلوس بثروته ويتخيل أملاكه، إلى أن يكتشف عبر تطور الأحداث أنه مفلس وخسر كل شيء ويعيش بأوهام».

بكل الحب

وقال كنان كريدي إن: «مشاعري اليوم لا توصف لكنها لا تحمل الخوف لأننا مع الأستاذ فايز ربما الخوف بعد العرض وما الذي سيحدث في الحياة، سنترك المعهد هذا المكان الجميل الذي عاش فينا لسنوات؛ هي جملة من المشاعر؛ أما العرض فاحتاج منا تدريباً كبيراً حتى وصلنا لهذه النتيجة اليوم نقدمها أمام الجمهور الذي تعاطى معنا بكل الحب لحظة بلحظة».

طاقة إيجابية

المخرج علي منصور أوضح أن: «العرض عبارة عن طاقة إيجابية من عدة نواح سواء من ناحية أداء الشباب والصبايا؛ إلى الرؤية البصرية هناك ما يضرب على حنين المسرح الذي نشتاقه جميعاً؛ الدفعة مميزة جداً سيكون لها مستقبل مهم؛ حيث تنوعت بشكل كبير ودخل كل منهم بكاركتر خاص؛ ورأينا عرضاً بإيقاع متواتر لا نستطيع أن نحبس أنفاسنا للحظة، ربما لأنه عرض تخرج لم نجد وقتاً لنشحن أنفسنا ولم نجد لحظة هدوء، ويستطيع المرء أن يعيد حضور العرض لأيام دون ملل».

مشغولة من الضحك والحزن

وبين المخرج ورد حيدر أن: «العرض كان جميلا لا نشعر بالوقت فيه نهائيا، التفاصيل مشغولة بطريقة متقنة من السنغرافيا إلى الإضاءة، إضافة إلى أن كل ممثل يحمل في أدائه التنوع، وساعدهم في ذلك الاسقاطات القوية الموجودة بالنص، ثلاث ساعات مشغولة من الضحك والحزن وتبين قيمة المسرح بحد ذاته وكم نحن بحاجة إليه، فالمتعة التي نحصل عليها في المسرح لا نراها في أي مكان آخر».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن