هل تذكرون كم كنا نكتب هذه الجملة «ترعرعت في أسرة فقيرة كادحة…» ونكمل بقية الديباجة الموحدة.
نشعر أن الفقرة أصبح ميزة ونحن نرى أن أسماء مهمة تتذمر لأنها خرجت من الدعم وطلبات يريد أصحابها العودة من خلال تقديم اعتراضات لأنهم لم يتمكنوا وحرموا من الحصول على بعض المواد بأسعار خاصة.. هي أسماء تتذمر لأنه لم يتم تصنيفها على أنها «فقيرة».
كيف يكون الفقر فضيلة أو ميزة؟!
في بلد يتجاوز عدد سكانه 20 مليون نسمة فإن الذين تم رفع الدعم عنهم لم يتجاوز 15 بالمئة حتى الآن لكن الحكومة تشير إلى أكثر من 25 بالمئة علماً أن نسب الفقر في سورية تتجاوز 80-85 بالمئة وربما تصل إلى أكثر لولا المساعدات والحوالات الخارجية أو لولا بيع الناس لمدخراتهم الموروثة من أراض أو عقارات سكنية. والكل يعرف أن ملف الدعم ملف شائك وليس وقته.
سأذهب معكم أبعد من الحالة الخاصة التي نعيشها، ففي العقل العربي بشكل عام ما يمجد الفقر ويذم المال ويشتم الأغنياء.
بينما في الأدب العربي واقعية أكبر في وصف كيفية التعامل مع الأغنياء وأن المال «يزين» حتى الغباء ويحوّله إلى حكمة وكيف أنه يجعل النكات السمجة مضحكة حد البكاء!!
لقد ترافق الفقر مع الفضائل، فلا يوجد مفكر وغني ولا يوجد نبي إلا وهو فقير وحتى أولئك الذين كانوا أغنياء عندما وصلوا أو أرادوا الوصول إلى الحكمة تخلوا عن الغنى وذهبوا إلى الفقر بأقدامهم.
وبالمقابل ارتبط الأغنياء بالصفات السلبية، فهم في الصور النمطية وحتى الواقعية يمثلون الجشع والبذخ وغالباً الفسق وكثيراً من الصفات السلبية التي جعلت مفهوم «البرجوازي» مرتبطاً بالاستغلال والطمع.
وصورة من لديه المال مرتبطة أيضاً بالفساد، ونادراً ما يروى عن الغني صفات إيجابية إلا أولئك الذين قدموا خدمات مميزة للناس.
وفوق كل ذلك فالغنى بشكل عام هو طموح كل البشر وفقط يعتبر من الزهد أن يكون حضور المال وعدمه سيان وهي حالا ت نسمع عنها في الكتب.
المفارقة الكبرى التي أنوي أن أصل إليها أننا نمتدح الفقر والفقراء ونعتبر الفقر ليس عيباً، وغالباً الفقراء لديهم الصفات الطيبة، على حين الأغنياء أناس سيئون مشكوك بهم لكن معظم الناس يريدون أن يكونوا مثلهم.
في وقتنا الحالي أصبح الحصول على صفة فقير شيئاً مميزاً لأنه «مدعوم بكم سلعة».
لكن هل يتم إدراك ماذا يفعل الفقر بالبشر؟
في كتب سيكولوجيا الفقر حديث خطير عما يجول في نفس الفقير وما الأشياء التي تتصارع داخله وأمام كل معاناة في الحصول على شيء حتى منذ الصغر فإن كل حالة صد أو منع أو إهانة يتعرض لها الفقير إنما تضيف سطراً من كتاب الحقد الذي يتكون في قلبه باستمرار.
الفقر ليس ميزة نفتخر بها وتحويل الناس للفقر أو لخشية الفقر هو أنجح وصفة لمجتمع حاقد وغاضب ومنفعل وقابل للاستثمار.
منذ ترعرعت في أسرة فقيرة كي يتم قبولي هنا أو هناك.. إلا أنني ما زلت فقيراً كي أحصل على الدعم.. مسافة ملأى بالأسئلة الشائكة!!!!!
أقوال:
• عندما تصل المصيبة إلى ركبة الغني تكون قد اجتازت رقبة الفقير.
• يقترف الغني الإثم، ويطلب الفقير الغفران.
• يجعلك الفقر حزيناً كما يجعلك حكيماً.