قضايا وآراء

حرب الإرادات

| منذر عيد

تسارعت الأحداث مؤخراً في المنطقة بشكل لافت، وتم الدفع بالعديد من القضايا الإستراتيجية إلى الواجهة مجدداً، فحط مسؤول السياسية الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل رحاله في طهران قبل أيام، بما حمله من رسائل أميركية بخصوص الاتفاق النووي من دون سابق إنذار، حال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي تلاه مباشرة، وما يمثله وبلاده من لاعب وسيط بين طهران والرياض، إلى بدء الحوار الأميركي- الإيراني غير المباشر، والحديث عن تأليف حلف «ناتو شرق أوسط» يضم عدداً من الدول العربية والكيان الصهيوني، دون تجاهل ارتباط جميع تلك التطورات بالزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة الشهر المقبل، ليتم السؤال هل تستخدم الإدارة الأميركية القضايا الإستراتيجية خدمة لسياستها التكتيكية، بمعنى هل هي جادة في المضي قدماً في جميع ما تطرحه من قضايا مصيريه، وصولاً إلى تطبيقها جميعاً على أرض الواقع، أم إنها مجرد أوراق ضغط ضد هذه الدولة أو تلك، للحصول على غاية معينة بعيدة كل البعد عن المنطقة، كأن تصوب على. منطقتنا والهدف روسيا مثلاً؟

سؤالنا عن احتمالية استخدام واشنطن الإستراتيجية في خدمة التكتيك، مدفوع بجملة متناقضات تظهر بين الطروحات والمشاريع الأميركية في المنطقة، فمن غير المنطقي أن ينجح مشروع ما يسمى «ناتو الشرق الأوسط»، مع نجاح المساعي العراقية بإعادة العلاقات الإيرانية السعودية؟ ودعم أوروبي للعودة إلى بنود اتفاق 2015 النووي، والتي على ما يبدو للتقارب السعودي مع إيران والمفاوضات الأخيرة مع الأوروبي لهما الحظ الأوفر من النجاح من «الناتو المشرقي»، وهو ما أكده موقع «ميدل إيست أي» البريطاني بالقول «إن الحرب مع إيران، وهي بلد ذو عدد سكان أكبر من العراق وأفغانستان مجتمعين وذو موقف أقوى في المنطقة في أعقاب الحروب الأميركية، سيكون خطأً تاريخياً آخر له نتائج أسوأ بكثير مما رأيناه سابقاً».

تؤكد جميع التحليلات أن مشروع «الناتو المشرقي» لمواجهة إيران، ولد ميتاً، لنقول إن ذاك «الحمل» في الأساس لم يكن إلا «حملا كاذباً»، ادعت إدارة الرئيس الأميركي بايدن حصوله للدفع به ورقة ترهيب في وجه طهران، لإجبارها على القبول بما رفضته سابقا في «فيينا»، وليكون بمنزلة دعم واهم للكيان الصهيوني، وتعويمه قوة رئيسية في المنطقة، وفي تأكيدنا على أن الحديث والتهويل بقرب ولادة «الناتو» ليس إلا «حملاً كاذباً» عدم وجود الرحم والأجواء المناسبة التي يمكن أن تحتضنه ليرى النور لاحقاً، فالحديث عن ضمه دول الخليج العربي ومصر والأردن والكيان الإسرائيلي، فيه الكثير من المتناقضات، فثمة علاقات جيدة بين كل من سلطنة عمان وقطر والكويت، وإيران، الأمر الذي يشكل مانعاً في قبول تلك الدول أن تكون في جبهة معادية لطهران لمجرد إرضاء الإدارة الأميركية، المأزومة حالياً على جميع الصعد من أوكرانيا إلى قلب مدنها وولاياتها، إضافة إلى ذلك فإن قيام «الحلف» سيزيد من الأعباء على واشنطن من جهة التسليح، الأمر الذي يلاقي رفضاً شعبياً في الداخل الأميركي الذي أنهكته تداعيات الحروب التي انخرطت بها إدارات واشنطن السابقة.

من المؤكد أن المبالغة في إنشاء «ناتو شرق أوسطي» إنما هدفه الترويج لمدى اهتمام بايدن بمصالح الكيان الصهيوني، وما مشروع «الحلف» إلا إعادة لفكرة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 2017، وسعيه لجعل الكيان قوة مهيمنة في المنطقة، وإذا كانت مدخلات المعادلة في هذا الإطار واحدة، فانه من المؤكد أن تكون المخرجات واحدة، وهنا نعيد ما كتبه ديفيد غاردنر في صحيفة «فايننشال تايمز» عام 2018: «حلم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بإنشاء «ناتو عربي» مجرد وهم، وآفاق التعاون العسكري في الشرق الأوسط تتلاشى، وترامب ليس الرجل الذي يستطيع تقديم المساعدة في بناء حلف عربي لأن جُلّ همه هو المال وليس المساهمة في حلّ المشاكل التي تقف أمام إنشاء الحلف المطلوب»، والآن يمكن للصحيفة أن تعيد نشر المقالة ذاتها بحرفيتها، مع الانتباه إلى استبدال اسم ترامب ببايدن.

في مجمل الأحداث الجارية في المنطقة، ثمة حرب باردة وصراع بين إرادتين، الأولى متجسدة بالجانب الإيراني، وما يمثله من قوى وطنية ومقاومة للمشروع الصهيوني- الأميركي في المنطقة، والثانية متجسدة بالكيان الصهيوني، وما يعنيه من تجسيد لقوى الإرهاب والاستعمار، ويجمع الجميع على أن إيران التي صمدت في وجه الحصار والعقوبات الغربية عقوداً، لن تتنازل عن ثوابتها ومعتقداتها في المتر الأخير من طريق النصر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن