ثقافة وفن

شريف أورفلي أول موفدي وزارة المعارف إلى مصر … ميشيل كرشة أستاذي الأول في العمل الفني السليم … تتلمذ على أهم الأساتذة في مصر والذين أسهموا في تأسيس معهد فنون دمشق

| سعد القاسم

يقف شريف أورفلي (1914-2003) ضمن عدد قليل من الفنانين الرواد الذين شهدوا القرن الواحد والعشرين وعملوا فيه. اكتشف موهبته وهو في السابعة من عمره عندما نال تقديرا واسعاً على رسمٍ لغصن زيتون نفذه بشكل واقعي خلال امتحان الرسم في الصف الثاني الابتدائي، وبعد ذلك بخمس سنوات اكتشف شغفه بالفن بعد وقوفه نحو ثلاث ساعات متأملاً رساماً فرنسياً يصور جسر الكيلانية بمدينته حماة، وفق ما ينقل عنه موريس سنكري في مقالة نشرتها له مجلة الحياة التشكيلية عام 1990. وينقل عنه ممدوح قشلان في كتابه (نصف قرن من الإبداع التشكيلي) أنه في عام 1927 كان في الصف السابع، وكان منزله قريباً من مقهى البرهانية ذي الطابع المحلي العريق بقبابه وأقواسه، وعلى إحدى قناطره كان الدهانون الشعبيون قد رسموا مشهد ناعورة وجسر فوق نهر، فكان يسترق النظر، ثم يسرع إلى البيت ليرسم ما ثبت في ذاكرته، وكثيراً ما ركض تحت المطر ذهاباً وإياباً لنقل تفاصيل المشهد. كما كان يشتري البطاقات البريدية التي تحمل صور المدن فينقلها أو يكبرها. ومن ثم بدأ ينقل مشاهد مدينته عن الواقع مباشرة.

من حماة إلى دمشق

درس شريف أورفلي الابتدائية في مدرسة التطبيقات، والإعدادية في تجهيز حماة، وفي عام 1929 انتسب إلى دار المعلمين في دمشق، وهناك التقى بالفنان الرائد ميشيل كرشة وقد تحدث عنه بتقدير عالٍ وفق ما ورد في المصدر السابق: «أقول باعتزاز أنه كان المعلم الرسمي الأول لي، اكتسبت منه خبرات العمل الفني السليم، وقد تابع نشاطي وتفوقي، ثم دعاني إلى مرسمه في ساحة المرجة (بناية العابد) وكان صالوناً فخماً. ورسم لي لوحة شخصية portrait أهداها لي».

لم يكن ميشيل كرشة الوحيد الذي رسم وجهية لشريف أورفلي ففي عام 1932 رسمه الفنان الفرنسي جورج ميشيليه G. Michelet الذي أقام في حماة لبضعة أشهر وصور كثيراً من مشاهدها، وقد لازمه شريف أورفلي وداوم في مرسمه، ورافقه للرسم في الطبيعة، وتعلم منه كيفية اختيار زاوية المشهد، وفرش الألوان – وخاصة المشرقة منها – على اللوحة، وسمع منه المقولة التي بقيت دستوراً له: «يا بني.. الطبيعة هي الأول والكبير للفنان». وبعد ذلك بسنوات رسمه حسين بيكار في وجهيتين رائعتين.

وظائف متعددة قبل الفن

تخرج شريف أورفلي من دار المعلمين عام 1932 وكان الأول على دفعته فعُيّن مديراً لمدرسة محردة بريف حماة. وبعد أربع سنوات نُقل إلى تجهيز حماة (ثانوية ابن رشد حالياً) ليشغل وظائف المحاسب وأمين السر والموجه، إضافة لتدريس الفنون، وبقي في (وظائفه) تلك حتى نهاية عام 1946 حيث أوفدته وزارة المعارف (التربية الآن) إلى مصر لدراسة الفنون، وكان الموفد الوحيد. وفي كلية الفنون الجميلة بالقاهرة أمضى السنوات الأكثر أهمية في سيرته الفنية. فقد أخذ الكثير من المعارف والخبرات والثقافة الفنية عن أساتذته فيها، وكانوا كبار الفنانين المعلمين: يوسف كامل، أحمد صبري، راغب عياد، عبد العزيز درويش، حسني البناني، عباس شهدي (أستاذ التصوير عند تأسيس المعهد العالي للفنون الجميلة بدمشق عام 1960 الذي أصبح كلية الفنون الجميلة)، عبد السلام الشريف، وحسين بيكار الذي ساهم أيضاً بتأسيس المعهد العالي للفنون الجميلة بدمشق، وأصبح أستاذا وصديقاً حميماً لشريف أورفلي واستمرا بتبادل الزيارات والتواصل حتى نهاية عمريهما.

براعة وواقعية

إثر تخرجه شارك في المعرض السنوي لعام 1951 بمشروع التخرج وهو سلسلة لوحات حملت عنوان (بيت الله) تصور ببراعة واقعية رجالاً في مسجدٍ منهمكين في الصلاة، أو يتحضرون لها. ومع أنه قد أنجز بعد ذلك الكثير من اللوحات، وجرب عدة اتجاهات ومنها التجريد. فإن هذه اللوحات ربما كانت من أجمل أعماله، بحكم تفرغه التام لإنجازها، وهو أمر لم يعد متاحاً بعد ذلك بحكم واجباته الوظيفية ومسؤولياته العائلية. وفور عودته من مصر عين مديراً لتجهيز حماة، الثانوية التي درس فيها، وفي عام 1954 نُقل إلى دمشق حيث قام بالتدريس في ثانوية جودت الهاشمي ثم في دار المعلمين، ودار المعلمات، ومعهد إعداد المدرسين حتى بلوغه سن التقاعد عام 1974، وإلى جانب ذلك عمل منذ الدورة الأولى لمعرض دمشق الدولي عام 1954 في تصميم وتنفيذ والإشراف على ديكورات عدد غير قليل من الأجنحة، وشاركه العمل شقيقه الأصغر معد وقد كان (معد) مرافقاً للنحات المصري صلاح عبد الكريم الذي قدم أعمالاً مهمة في بدايات المعرض. كما عمل شريف أورفلي في الستينيات مديراً للدعاية بشركه الطيران السورية، وفي السبعينيات تعهد تنفيذ (روزنامة) الشركة عدة مرات، وكان يطبعها في اليونان حيث قابل الحفار اليوناني تاسوس الذي أهدى الأورفلي عدداً من أعماله.

مع ما سبق ظلت اللوحة الزيتية حاضرة بوفرة في حياة شريف أورفلي. وقد كان مشاركاً دائماً في المعرض السنوي منذ عام 1951 باستثناء عامي 1954 و1955. وشارك في بينالي الإسكندرية الأول (1955والثالث (1960). وفي عام 1960 نالت لوحته الجائزة الأولى لتصميم طابع بريدي عن زيارة وفد المغتربين العرب إلى سورية. إضافة لمعارض فردية وجماعية. وقد اقتنيت لوحاته من المتحف الوطني بدمشق ووزارتي الثقافة والخارجية وهيئات رسمية، وأشخاص.

دور المكتبة والأسرة

تزوج عام 1954 من السيدة نورز البرازي التي يتحدث بتقدير عما وفرته له من حياة عائلية سعيدة كان لها الأثر الكبير في متابعة نشاطه الفني والمهني، وقد رزق منها بثلاثة أولاد: مصطفى (مهندس زراعي)، وجاهت (فنانة تشكيلية) وفرح (خريجة معهد السكرتارية بدمشق). وتتحدث السيدة وجاهت عن والدتها فتقول: «نلت العلامة التامة بفحص العربي بالشهادة الثانوية. ويعود الفضل في ذلك لوالدتي نوزر البرازي والكتب التي كنا نقرأها من مكتبتها العامرة. حيث منعت من الدراسة بعد صف السادس. فعوضت ذلك بقراءاتها الخاصة. وعندما تزوجت من والدي أصرت على متابعه الدراسة الحرة فقدمت (البروفيه) وبعد ثلاث سنوات قدمت (البكالوريا) ونجحت بنفس العام الذي نجحنا فيه أنا وأخي، وأصرت أن ندرس الابتدائي في مدرسه خاصه تُدرّس الإنكليزية من الصف الأول. وأذكر (خناقة) كبيرة بينها وبين والدي الذي كان يقول لها: «أنا مدرس بمدارس حكومية وأولادي يذهبون لمدرسه خاصة؟ غير ممكن». وبعد تدخل الأقارب توصلوا لأن يذهب أخي لمدرسة حكومية، ونذهب أنا وأختي للمدرسة الخاصة. إضافة لمعهد مسائي للغات. ولهذا كانت دروس اللغة الإنكليزية التي يعطينا إياها الدكتور عبد العزيز علون في كلية الفنون الجميلة من أمتع الدروس بالنسبة لي وكنت أشعر أنه يلقي الدرس لي وحدي. لأن جميع الطلاب كانوا يرهبون درسه. رحمه الله».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن