تحت عنوان «إسرائيل لم تكن لتبقى حتى الآن من دون الولايات المتحدة» يبين الكاتب السياسي في مجلة «نيوزويك» الأميركية الأسبوعية الشهيرة في مقال نشره عام 2017 أن كل ما يقال عن إنجاز تحققه حكومات تل أبيب ما هو إلا إنجاز أميركي بأيد أميركية تكون واشنطن قد أعدت خطته وشروط تنفيذه ووضعته أمام الحكومة الإسرائيلية لإخراجه بمشاركتها وتحويله إلى واقع وتسمح للحكومات الإسرائيلية بادعائه لإعطاء تل أبيب مكانة في القوة ولإرهاب دول المنطقة.
في الولايات المتحدة هناك مؤسستان مركزيتان في هذا الموضوع هما مجلس الأمن القومي الأميركي ووزارة الخارجية، وهما اللتان تعدان مثل هذه المهام وتستعينان بتنفيذها باختصاصات من وزارة الدفاع والبيت الأبيض، وهذا ما ظهر واضحاً حين أعد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مع وزير خارجيته مايك بومبيو بشكل مباشر حملة تطبيع بعض الدول الصديقة للولايات المتحدة في المنطقة مع إسرائيل.
هذا يعني أن أي رئيس للحكومة في تل أبيب حتى لو كان عديم الخبرة تقريباً مثل نفتالي بينيت الذي كان مجرد ملازم أول في جيش الاحتلال لا يمكنه الادعاء بتحقيق ما يطلق عليه «إنجازات حكومته في المنطقة» وفيما يعلنه من تهديدات عسكرية متفق عليها مع واشنطن ضد إيران.
مستشار الأمن القومي الأميركي هنري كيسنجر كان قد عيّن وزيراً للخارجية في السبعينيات فجمع القرار من جانبين خارجي وأمني وقومي، وهو من قال «إن إسرائيل لا تضع سياستها الخارجية لأن ذلك من مهمة الإدارة الأميركية بل تضع سياستها الداخلية» بموجب ما نشره الباحث الإسرائيلي ياغيل هانغين في موقع أبحاث إسرائيلي باسم «هاشيلواح» بالعبرية بعنوان «من يحمي وجودنا».
شموئيل أمير كان قد نشر هو الآخر دراسة في موقع مجلة «هاغادا» بالعبرية في 18/8/2010 تحت عنوان «لولا أميركا لما استطاعت إسرائيل الاحتفاظ بما احتلته حتى الآن»، وأوضح فيه أن قيمة رؤساء حكومات تل أبيب تكمن في القدرة على التكيف مع تطبيق السياسة الخارجية التي تحددها لهم واشنطن وخاصة في العلاقات مع دول المنطقة ووجود دول كثيرة صديقة للولايات المتحدة، وهذا ما قام به بشكل مباشر وملموس الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو حين أعدا اتفاقات تطبيع بإشرافهما مع بعض دول المنطقة قبل نهاية ولايتهما عام 2017-2018، في حين أصبحت حكومة نتنياهو تعدها «إنجازات» لها! وبالمقابل هذا يعني أن أي هزيمة عسكرية تلحق بالكيان الإسرائيلي وجيش الاحتلال تعد هزيمة للولايات المتحدة وسياستها الفاشلة في حماية هذا الكيان وهذا ما حققته حرب تشرين عام 1973 حين تولى كيسنجر بنفسه العمل على إزاحة كابوس حرب تشرين عن الكيان الإسرائيلي بطرق غير عسكرية بعد الهزيمة العسكرية التي لحقت بجيش الاحتلال، وهذا ما حققته المقاومة اللبنانية من هزائم ضد تل أبيب في جنوب لبنان عام 2000 وعام 2006 والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة عام 2005، وهذا بالطبع ما حققته سورية ومعها محور المقاومة في انتصارها على الحرب التي شنتها واشنطن وتل أبيب عن طريق مئات الآلاف من الإرهابيين ضد الجيش العربي السوري عام 2011، فقد جندت واشنطن معها ضد سورية أكثر من مئة دولة لمصلحة الكيان الإسرائيلي وفرض هيمنته على المنطقة، فتلقت تل أبيب وواشنطن معاً ضربة قاصمة بدأت آثارها تظهر في تزايد قدرة الردع الذي تحقق لمحور المقاومة مقابل انخفاض قدرة الردع الأميركي والتناقص الحاد بقدرة الردع الإسرائيلي.
إن إنجازات محور المقاومة ظهرت تأثيراتها الواضحة على الوضع الداخلي للكيان الإسرائيلي في السنوات الماضية التي شهد فيها أربع موجات انتخابات برلمانية نتجت عن أربع أزمات استعصت عن الحل، وظهرت من جديد موجة الانتخابات الخامسة في ظل نسبة هجرة عكسية غير مسبوقة ينفذها المستوطنون باتجاه العودة إلى أوطانهم يقابلها انخفاض حاد بنسبة الهجرة اليهودية إلى الكيان، بل إن الأرقام تثبت شبه انعدام للهجرة اليهودية مع استمرار الفزع من جولة أي مجابهة قادمة ومحتملة قد تشهدها المنطقة من محور المقاومة وجبهاته المتعددة.
ولذلك بدأت وسائل الإعلام في الكيان تشير إلى أن أهم ما تحمله زيارة الرئيس جو بايدن إلى تل أبيب قريباً هو المحافظة على معنويات المستوطنين وخاصة لأن هذه الزيارة خضعت خلال شهر تقريبا لإلغاء ثم تأجيل ثم تثبيت، وهذا ما يثبت أن واشنطن لم تعد تلك الدولة غير القابلة للهزيمة في المنطقة على غرار الكيان الذي تدعمه وتحميه.