شؤون محلية

السكن الشبابي الألق المغدور

| ميشيل خياط

حفزتني شكوى من بلدة السودا في محافظة طرطوس أن أفتح ملف السكن الشبابي، وكان في مطلع الألفية الثالثة حلماً ثميناً جداً تقنا إليه، ليصوغ إنجازاً سكنياً كبيراً لذوي الدخل المحدود.

طرحت المؤسسة العامة للإسكان 15 ألف شقة للاكتتاب، بمساحات صغيرة تراوحت بين 60م٢ إلى 80م٢، فكان الإقبال كبيراً، إذ وصل عدد المكتتبين في جميع المحافظات السورية إلى 65 ألفاً بين عامي 2002 و2005، للشروط المبهرة: القسط الشهري 2000 ل.س، مدة التسليم 5 سنوات، وإذا تأخرت المؤسسة تدفع للمكتتب 8 بالمئة فائدة على مدخراته. يسدد المكتتب عند استلام البيت الفرق بين مدخراته (أقساطه) و30 بالمئة من سعر الشقة، وتتكفل المؤسسة بالحصول على قرض من المصرف العقاري، يغطي ما بقي من ثمن الشقة، يسدده المكتتب القرض، خلال 10 إلى 25 سنة حسب رغبته، بفائدة 5 بالمئة وتعهدت المؤسسة العامة للإسكان بتسليم المنازل بسعر التكلفة زائد نفقات إدارية 5 بالمئة فقط وبإنجاز البنى التحتية للضواحي الجديدة بما في ذلك محطات معالجة مياه الصرف الصحي. وارتفعت أصوات طالبت بقبول الجميع ومنها صوت المؤسسة ذاتها وقد اطلعت في حينه على مذكرتها بهذا الشأن. وكانت المكرمة المذهلة للسيد الرئيس بشار الأسد أن وجه بقبول جميع المكتتبين، استناداً إلى برنامج حاسوبي يحدد رقماً لكل مكتتب، حسب الفترة والمدة الزمنية التي باتت بعد قبول الجميع 5و7و10سنوات.

ثمة محظوظون استلموا شققهم خلال خمس سنوات بهذه الشروط المثالية، لكن اغلب المكتتبين لم يحالفهم الحظ ذاته إذ راح ألق التجربة يخمد تحت ذريعة ارتفاع أسعار المواد الأولية (إسمنت وحديد وخشب ومواد الإكساء)، وتوقفت ورشات القطاع الخاص عن متابعة البناء ريثما يتم البت بموضوع الأسعار، وبدا المشروع بالتلكؤ ودخل في الأداء البيروقراطي، لكن المأساة الكبرى كانت في طرطوس، إذ عجزت المؤسسة، مدعومة بقوة من عدة حكومات سورية متلاحقة، عن البناء على أرض استملكت لمصلحة السكن الشبابي ومكتتبيه الـ3500 في طرطوس، ونجح المعترضون في إلغاء الاستملاك الأول، وجرى البحث بصعوبة عن أرض غير زراعية للبناء عليها، وأنجزت لمصلحتها دراسات جديدة، وحتى الآن لم يستلم ما يقرب من 2750 مكتتباً بيوتهم علماً أن كثيرين منهم حرموا من بيوتهم وألغي اكتتابهم لعجزهم عن تسديد الأقساط الجديدة والكتلة المالية التي غدت كبيرة جداً بين المدخرات ونسبة الـ30 بالمئة من السعر الجديد للشقة بعد الارتفاع الفاحش في كل الأسعار وبعد نسب التضخم الكبيرة التي عصفت بالليرة السورية.

أما وقد دارت عجلة بناء السكن الشبابي على نحو واسع في طرطوس بالذات، وبعد الإعلان من الديماس في ريف دمشق أن كل الشقق الشبابية في سورية ستسلم للمكتتبين في نهاية العام 2024، فإن من رقن قيدهم لعلة عدم تسديد الأقساط، قد اعتصرهم الألم إذ لم تعد مدفوعاتهم (مدخراتهم)، تساوي شيئاً وقد لا تكفي أجرة بيت لمدة شهر..!

وهؤلاء لم يبيعوا أرقامهم أو شققهم ولست أدري كيف وصلوا إلى هذا المصير، علماً أن المؤسسة أمهلتهم كثيراً وأنذرتهم وأعطتهم مهلاً طويلة.

ربما دفعهم القنوط، أوهناك من أوحى لهم أن البيوت لن ترى النور أبداً. لهؤلاء نطالب بموقف رحيم وكبير يعفو عن خطأ أجبروا عليه حتماً في ظروف مالية قاهرة جداً.

ولقد عودنا السيد الرئيس بشار الأسد على مثل هذه المواقف النبيلة في سياق العفو عند المقدرة.

ويمكن إعطاء هؤلاء دوراً جديداً يرحل فيه استلامهم لشققهم بعد استلام جميع المكتتبين.

ولعل ألق تجربة السكن الشبابي، يجب أن يستمر في مشاريع سكنية مماثلة للأجيال الجديدة، تترافق وعودة البناء، ومع زيادة الحد الأدنى للرواتب والأجور، فالسكن ضرورة حيوية، إذ لا حياة للبشر من دونه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن