قضايا وآراء

«ناتو» شرق أوسطي!

| مازن جبور

حراك سياسي تشهده المنطقة يجعل مراجلها تغلي على نار الأحداث المتتابعة، بدءاً من تصريحات الملك الأردني عبد الله الثاني حول «ناتو شرق أوسطي»، وصولاً إلى جولة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على كل من مصر وتركيا والأردن والعراق، وأمس وزير الخارجية الإيراني في دمشق، على حين تنتظر المنطقة زيارة للرئيس الأميركي جو بايدن.

أهداف زيارة وزير الخارجية الإيرانية إلى دمشق، عبر عنها زعيم الدبلوماسية السورية فيصل المقداد عند استقباله أمير عبد اللهيان في مطار دمشق الدولي بالقول: «الزيارة مهمة جداً وتأتي بعد تطورات محلية وإقليمية ودولية كثيرة»، جاء كلام وزير الخارجية والمغتربين صريحاً وواضحاً، متضمناً سبب الزيارة للتباحث في تطورات المنطقة السابقة الذكر، وخصوصاً أن فاعلي الإقليم يطرحون مشاريع خطيرة جداً.

إذ يبدو أن الملك الأردني بات مديراً للمشاريع الأميركية في المنطقة، فهو عراب الانفتاح العربي على دمشق بعد أن أعلن عن الهزيمة الرسمية لأعداء سورية بإشارته إلى أن الرئيس بشار الأسد باقٍ، وأنه على من ناصبه العداء التعامل مع هذا الواقع، فسارع إلى طرح ما سمي مشروع «خطوة بخطوة» وبادر بالانفتاح على دمشق، إلا أن طروحاته بدأت مؤخراً تأخذ طابعاً مقلقاً، إذ أشار سابقاً إلى أن الحدث الأوكراني دفع بموسكو لسحب قواتها من سورية، وأعرب عن خشيته من ملء إيران للفراغ الروسي، فطالب بما سماه بـ«شريط عازل» حدودي في الجنوب السوري، وتزامن طلبه ذاك بتصعيد تركي لإقامة ما يسمى «المنطقة الآمنة» في الشمال.

إلا أن آخر طروحات الملك الأردني، جاءت خلال مقابلة له مع شبكة «سي إن بي سي» الأميركية، التي أعلن فيها تأييده إنشاء حلف «ناتو شرق أوسطي»، بمهام واضحة ومحددة، هذا الطرح يثير موجة من القلق والتساؤل، وأكثر الأسئلة إلحاحاً حول التوقيت والدول التي سيضمها ودور كيان الاحتلال فيه، ومهامه، وأعدائه، وعلاقة بـ«حلف شمال الأطلسي»!

في إجابات غير محددة بدقة لكنها ذات مدلول، أكد الملك الأردني أنه «يمكن بناء الحلف من البلدان ذات التفكير المتشابه»، وبحسب طبيعة علاقات الفاعلين الدوليين في الشرق الأوسط، يمكن تأويل كلامه، بأن البلدان ذات التفكير المتشابه هي: الأردن ومصر ودول مجلس التعاون الخليجي، وأعرب عن رغبته في أن يرى «المزيد من البلدان في المنطقة تدخل بهذا المزيج»، ويحتمل كلامه هذا تفسيرين، الأول: إن هناك مناقشات ومراسلات جرت بشأن الحلف، وتم أخذ موافقات أولية من بعض دول المنطقة ذات التفكير المتشابه للانخراط فيه برعايـة أميركيـة، وأن هنـاك دولاً أخـرى تريثـت ويـأمل الملك الأردني أن تتخذ قرارها بالمشاركة، والثاني: إنه أراد ترك الباب مفتوحاً لجذب المزيد من الدول إلى الحلف، ولعل التفسيرين واردان معاً.

يمثل طرح الملك الأردني تمهيداً للرئيس الأميركي الذي أعلنت واشنطن أنه يعتزم زيارة المنطقة، وذلك في إطار ممارسة ضغط أميركي لبناء تحالف أمني – اقتصادي أوسع يضم دولاً عربية وإسرائيل، وفي الإطار ذاته كانت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية كشفت عن لقاء مسؤولين عسكريين أميركيين مع نظرائهم في كل من إسرائيل والأردن ومصر وعدة دول خليجية، وتناول اللقاء التنسيق ضد تنامي قدرات إيران الصاروخية وبرنامجها للطائرات المسيرة.

كما أن من أهداف إقامة «ناتو شرق أوسطي» برعاية أميركية، تحويله إلى ذراع لـ«حلف شمال الأطلسي» في الشرق الأوسط، لمواجهة روسيا التي تعاظم نفوذها في المنطقة العربية عموماً والشرق الأوسط خصوصاً، وهي اليوم في مواجهة محتدمة مع الناتو على أبواب أوروبا، أما من ناحية عدائه لإيران فهو أمام عقبة قد تفرغه من مضمونه، إذ إن جهود التسوية بين الرياض وطهران تسير بخطا متسارعة إلى الأمام، فوزير الخارجية الإيراني رحب بإعادة تبادل فتح السفارات في كلتا العاصمتين.

سيواجه حلف من هذا النوع تحديات كبيرة، أولها عدم وجود اتفاق عربي حوله، هذا وتبقى مسألة إشراك كيان الاحتلال فيه، فكرة محرجة لبعض العرب، على الرغم من أنها رغبة أميركية ملحة، كما أن مسألة تحديد العدو مسألة خلافية فعلاقات الدول العربية مع الأعداء الافتراضيين للحلف، روسيا وإيران متباينة، إذ يمتلك بعضها علاقات مميزة مع موسكو وطهران.

أيا تكن التحالفات التي تسعى واشنطن لإقامتها في الشرق الأوسط، فإن مصيرها الفشل، أو على الأقل لن تؤثر في التحالفات الأخرى، فمثلاً خيار سورية بالبقاء ضمن محورها محور المقاومة وزيارة عبد اللهيان دمشق للتباحث في الملفات المحلية والإقليمية والدولية خير دليل على ذلك، كما أن العلاقة مع موسكو تجاوزت كل أشكال التحالفات إلى علاقة إستراتيجية بعيدة المدى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن