تعد مرحلة الطفولة من أهم المراحل التي يمر بها الإنسان والتي أسهمت وسائل الإعلام المرئية وخاصة التلفاز في تشكيل ثقافة الطفل بشكلٍ كبير من خلال ما يعرضه من أفلام الرسوم المتحركة المفعمة بالألوان والمغامرات الشائقة والتي باتت اليوم تحمل الكثير من الرسائل غير الهادفة والقيم السلبية المنافية لثقافة المجتمع وللمثل العليا التي نشأ عليها الجيل السابق من عنف وإيحاءات جنسية تترجم في سلوكيات الأطفال وعاداتهم اليومية في المنزل أو المدرسة.
فتعتبر أفلام الكرتون المدبلجة واحدة من أهم التأثيرات السلبية التي تصدرها الدول المتقدمة لما تحمله من مشاهد وصور وألوان تعرض في قالب جميل على شكل قصص وحكايات جاذبة تدور أحداثها في عوالم ساحرة، الأمر الذي يجعلها تلعب دوراً مهماً في تكوين شخصية الطفل وتغيير ثقافته وسلوكه بشكل سلبي أكثر مما هو إيجابي، حيث أصبح من الطبيعي عرض الكثير من المشاهد التي كانت محظورة سابقاً من قتل ودماء وإظهار الشرير بدور البطل والقوي إضافة إلى وجود شخصيات مشوهة تقدم محتوى فارغاً خالياً من المبادئ الفكرية والتربوية والتي تهدف إلى تحجيم عقول الأطفال.
التنشئة الاجتماعية
وفي زمن ازدهار العولمة والغزو الفضائي استطاع التلفاز أن يكون بمنزلة الصديق الحميم والمقرب من الطفل حتى أضحت أفلام الرسوم المتحركة واحدة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية غير الرسمية، ومنافسة قوية لدور الأسرة في العملية التربوية والنفسية والعقلية لما تحتويه من مفاهيم وقيم تعرضها بصورة متسلسلة وقصصية تستهوي الطفل وتتناغم مع ميولاته النفسية فيمكث أمامها لساعات طويلة وهنا تكمن الخطورة، ففي عمر صغير ومبكر يكون عقل الطفل وشخصيته كالصفحة البيضاء التي ينسخ عليها كل ما يتلقاه من مشاهدات وممارسات في محيطه تسهم في تشكيل معارفه من دون وعي أو إدراك منه بمدى صحتها وسلامتها، ويرى بعض الباحثين أن الرسوم المتحركة تعمل على تعميق العادات السلبية على حين يرى الكثيرون أنها تقوم بدور المربي الذي يسهم في تربية وتنشئة الطفل.
وفي هذا السياق يبين دكتور علم الاجتماع هاني عمران أن: «أفلام الكرتون شأنها شأن كل الوسائط الأخرى من آليات التنشئة أو كما نسميها وكالات التنشئة، والتنشئة ما هي إلا نقل الثقافة وخبراتها المختلفة إلى الأجيال المتلاحقة، وأفلام الكرتون وسائط تمزج بين المتعة والثقافة والتربية في آن واحد ولها جانبان، فقد يكون هناك تأثير ضار عندما نتحدث عن غزو ثقافي وقد يكون تأثير إيجابي عندما نتحدث عن تربية وإسهام في تنمية شخصيات الأطفال وتزويدهم بالوعي اللازم».
وأضاف: «كل هذه العناصر جزء مهم في عميلة التنشئة الاجتماعية للطفل ويحققها الفيلم الكرتوني بفعالية أكبر لأنه أولاً وسيلة سمعية بصرية، وثانياً يترك أثراً إيحائياً وهو شيء يرغب فيه ذاتياً وغير مفروض عليه من الآخرين، والأمر الثالث أن هناك شخصيات يعجب بها الطفل في أفلام الكرتون ويتعاطف معها ذاتياً ويشكل سلوكها قدوة مهمة له لاكتساب القيم».
وتابع: «كيف يتقمص الأطفال أحياناً الشخصيات الشريرة، يقول بعض علماء التربية وعلم النفس في هذا أنه لا ضير من ذلك لأن الأطفال يعرفون أن ما يشاهدونه هو مجرد تمثيل، ولكن من المؤسف اليوم أن هناك الكثير من الشركات المنتجة لهذه الأفلام باتت تستعمل مفهوم الأكشن الذي يعتمد على العنف والقتل والاعتداء».
آثار سلوكية
إن انجذاب الطفل بشكل خاص لبعض الشخصيات الكرتونية التي تتمتع بقوى خارقة لا وجود لها في الحياة الواقعية يخلق لديه الكثير من السلوكيات الخاطئة، وخاصة إن كانت تلك الشخصيات دائماً تظهر بدور البطل وتركز على محتوى العنف والقتال فتولد عنده القبول لمثل هذه الأفعال الشنيعة وتؤدي إلى تبلد في مشاعره وأحاسيسه، حتى إن تعرضه الدائم لمثل هذه المثيرات المرئية واللفظية يشجعه على العنف لإظهار قوته أمام الآخرين كأن يستثار مثلاً لضرب زملائه في الصف والمدرسة.
وتشير الدراسات العلمية إلى أنه من بين كل عشرة آلاف طفل هناك خمس حالات لأطفال يقومون بتقمص شخصيات الكرتون وما يشاهدونه من أفعال وتصرفات صادرة عنها، ونتيجة لذلك شهد العالم حالات وفاة لأطفال أعمارهم دون السبع سنوات أثناء تقليدهم برامج الخيال مثل سوبرمان وسبايدرمان فأصبح التلفاز ومايعرضه من مثل هذه الأفلام مصدراً أساسياً لتوليد العنف في العالم.
كما توضح المرشدة التربوية والنفسية ديمة إن: «برامج الأطفال لها الكثير من النتائج الإيجابية والسلبية، لكن ما نشاهده اليوم في البرامج التي تعرض حالياً والتي تستهدف الأطفال أن الأثر السلبي بات هو الأكبر والأكثر تأثيراً على سلوكهم، فعندما يأتي الطلاب إلى مدرستنا وخاصة طلاب الصف الأول نستغرب من وجود بعض الممارسات السلوكية لديهم غير اللائقة بفئتهم العمرية البريئة، وعندما نتواصل مع أهاليهم نجد أنهم محملون بهذه الثقافة من المنزل وعادة ما تكون مرتبطة إما بالوضع العائلي والاجتماعي أو البيئة الثقافية ولكن أعظم ما يؤثر فيهم هو تقمصهم للشخصيات الكرتونية التي يشاهدونها».
وأشارت إلى أنه غالباً مايكون هناك شخصيات كرتونية موحدة بين الطلاب يتقمصون حركاتها وتصرفاتها ونمط شخصيتها غير الهادفة والخالية من المحتوى الفكري والثقافي، مؤكدة على أن هذا الشيء يؤثر على سلوكهم في المدرسة ويخلق لديهم الكثير من التصرفات العدوانية تجاه زملائهم كما نجد لديهم الكثير من العنف واستخدام المصطلحات البذيئة.