اقتصاد

هل جربت الإدارة بأسلوب كونوسكيه؟

| د. سعـد بساطـة

تتحول المؤسسات الكبرى في العـالم؛ من مجرد شركات تقدم سلعاً أو خدمات إلى خلايا تفكير (Think tank) ؛ ومدارس لأساسيات الإدارة؛ فكلنا يذكر أول بذور الجودة بمؤسسة تويوتا؛ ومبادئ سلسلة الإنتاج ( CPM) في إنتاج غواصة بولاريس والقائمة لا تكاد تنتهي..

المسؤولية: شبهها فلاسفة الإدارة الغـربيون بحبة البطاطا الساخنة؛ يقذفها واحد للآخر تخلصاً من مأزق صنع القرار!

ويجب في ساعـات العمل: توقع غـير المتوقع، ماذا سيتصرف المدير إزاء خطأ المرؤوس؟

الجواب أفادني به صديق درس في اليابان حول حادثة حصلت مع السيد (ماتسوشيتا كونوسكيه) مؤسس ومدير شركة باناسونيك والذي يضرب به المثال في الإدارة باليابان.

وهنا نبذة عـن باناسونيك؛ فهي شركة يابانية انتقلت للعـالمية؛ في مجال الإلكترونيات؛ بدأت قبل قرن بصنع الدراجات؛ وانتقلت لأجهزة الراديو النقالة!

الحكاية: نتيجة خطأ السائق بتمييز الطريق تأخر مدير باناسونيك ساعة كاملة عن اجتماعه مع أحد الزبائن المهمين لشركته.

لم يخف المدير غضبه وامتعاضه من الغلطة الكبيرة. وفي اليوم التالي أصدر بياناً شديد اللهجة وزعه على جميع موظفي الشركة يؤكد ضرورة احترام المواعيد وعدم التأخر في المهام مع قرار صارم بحسم راتب شهر كامل.

سؤالي لكم: «حسم من راتب من؟!».. المفاجأة أن الذي تم حسم راتبه ليس السائق بل مدير الشركة نفسه (ماتسوشيتا)!

وعند سؤاله عن سر هذا القرار أجاب أنه المسؤول لأنه لم يضع نظاماً إدارياً يفرض على السائقين التأكد من الطرق مما كان سيقلل من فرصة حصول مثل هذه الأخطاء.

الهدف الذي قصده (ماتسوشيتا) هو أن تطبيق هذا العقاب الذاتي سيكون حافزاً للموظفين بالشركة بأن قائدهم يتحمل أخطاءهم ويطبق على نفسه المعايير ذاتها مما سيدفعهم للبذل والإنجاز!

ننتقل إلى عام 1970م حين استضافت أوساكا المهرجان الثقافي العالمي (Osaka Expo) للمرة الأولى بتاريخ اليابان وشاركت دول كثيرة وشركات بتخصيص أجنحة لعرض منتجاتها الثقافية والتقنية. وعلى غير عادته أخفق السيد (ماتسوشيتا) في الحضور بالموعـد؛ وبدأ الموظفون في البحث عنه ليجدوه واقفاً بين جموع الناس التي اصطفت في الطوابير لدخول جناح شركته باناسونيك. وحاول الموظفون إقناعه بالدخول مباشره لكونه رئيس الشركة إلا أنه رفض تماماً. وبعد وصوله إلى المدخل أصدر (ماتسوشيتا) توجيهاته إلى الموظفين بإعداد مراوح ورقية وأكياس ورقية مطبوع عليها شعار الشركة حيث لاحظ أن الناس المصطفة كانت تشتكي من حرارة الجو وصعوبة حمل الأشياء والمنتجات في أيديها.

هذا القرار كان بمنزلة دعاية كبيرة للشركة في المهرجان وقتها حينما كان الزوار يحملون الأكياس ويستخدمون المرواح التي تحمل شعار باناسونيك. والمهم هو أن هذه الفكرة جاءت من احتكاك المدير المباشر بالناس والنزول لأرض الميدان. ولمؤسس باناسونيك مقولات إدارية مفتاحية (حتى في مجالات الحياة العادية) ومنها:

طريقة الأمس لن تصلح اليوم فلا بد من تحديثها، وطريقة اليوم لن تجدي نفعاً في الغد فلا بد من تطويرها.

لدي ثلاث نقاط قوة: لم أذهب إلى المدرسة، وكنت أعاني المرض ولم أكن بارعاً في اتخاذ القرارات. لهذا اضطررت إلى أن أطلب من الناس أن يعلموني ويساعدوني وبذلك استطعت أن أنجح!

المنافسة ضرورية، ولا بأس من المواجهة ولكن من الجميل أن تمتلك قلباً محباً حتى لأعدائك.

أصحاب الرؤية الضيقة لن يضيعوا الطريق على أنفسهم فقط بل سيطال أذاهم الآخرين.

تستطيع تسلق الجبل من الغرب ومن الشرق أيضاً، إذا ما غيرت الاتجاه فستنفتح لك الطرق الجديدة.

إذا خدمك أحدهم بتسعٍ فردها إليه بعـشرٍ. تلك الزيادة البسيطة هي التي تقود المجتمعات للنمو والتطور.

إني أجزم بأن أهم أسرار نجاح هذا الرجل التقدير والاحترام المتبادل بينه وبين موظفيه. فقد كان دائماً يقول بكل فخر لموظفيه: «إذا سألكم أحد ماذا تصنع شركتكم فأجيبوه بأنها تصنع الرجال!». بلى.. فهؤلاء الرجال هم من وراء جميع منتجات وخدمات الشركة. وباختصار، إذا ما أردت أن تعرف سر نجاح الشركات والمنظمات والدول، فابحث عن القيادات الملهمة من أمثال (ماتسوشيتا كونوسكيه)، فهم من يصنعون المستقبل ويكتبون التاريخ.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن