من دفتر الوطن

سماح.. يا أهل السماح!

| عصام داري

يحول البنزين بيني وبين الأقارب والأصدقاء فأخترع غيرهم يمكنني أن أزورهم مشياً على الأقدام.

يمنعني المازوت من الدفء فأتذكر أغنية إنكليزية تقول «بطاقة واحدة إلى جهنم» فأشتري تلك البطاقة لأنني في جهنم سأعوض سنوات طويلة من البرد والزمهرير التي عشتها من دون محروقات.. وحطب وفحم حجري وسجيلي.

يتعبني الحصول على رغيف الخبز، فأضطر لاستبداله بالكاتو والبيتيفور والكرواسان، فكلها متوافرة بكثرة والحمد لله.

عندي مئات الدراسات التي تعدد الفوائد الجمة للدراق والمشمش والعنب والكيوي والتوت بجميع أنواعه، لكنني لا أستطيع العناية بصحتي من خيرات الطبيعة، ولن أقول لكم الأسباب، فأنتم أيضاً مثلي تماماً.

قال لي العديد من الأصدقاء: عليك أن تجدد نشاطك وتستعيد حيويتك، وافقت على قولهم وسألت: كيف؟ فأجابوا: اذهب في رحلة عدة أيام إلى الساحل السوري الجميل على سبيل المثال.

أعجبني هذا الدواء، وعندما سألت عن تكاليف رحلة مدتها ثلاثة أيام اكتشفت أنها تحتاج إلى نصف مليون ليرة للشخص الواحد، أي مليون ونصف المليون لي ولزوجتي وابني، شريطة ألا تتضمن وجبة سمك واحدة، ولا لحوماً مشوية!

عرفت أن المال يقف ضدي، والفواكه تناصبني العداء، والمحروقات تهرب مني، والخبز يتنكر لي، واللحوم البيضاء والحمراء والزرقاء لم تسمع باسمي في أي يوم من الأيام.

سألت نفسي بسذاجة: لماذا كثر عدد أعدائي مع أني محب للناس وللمواد التي تبقينا على قيد الحياة؟ والمشكلة أن معظم أعدائي من الجماد، أي ليس فيها روح ونفس ولسان، فلو كان لها لسان لسألتها عن سبب هذه العداوة غير المبررة.

هنا فوجئت بأصوات قادمة من كل مكان تتحداني، كانت أصوات هذه المواد والعناصر نفسها التي قلت قبل لحظة إنها بلا صوت ولا لسان ولا روح.

قال المال: لا تحصل عليّ إلا إذا بذلت جهوداً خاصة وكبيرة، وستحصل على الكثير مني إذا سرت في طريق الشطارة الذي تطلق عليه تسمية الفساد وتحاربه ظلماً وعدواناً!

قالت لي اللحوم: يكفيك ما تناولت من الأسماك واللحم الضاني ولحم العجل في حياتك، يا لك من طماع!

أما المحروقات فقالت: عيب عليك التنكر لنا، لقد كنا معك طوال سنوات عمرك، وإذا قصرنا في السنوات الماضية فلسنا المسؤولين عن ذلك، اذهب إلى قيصر وحاسبه وعاتبه!

بالمحصلة وجدت نفسي مذنباً بحق نفسي فقررت الامتناع عن الشكوى وأكتفي بالصمت الرهيب والزمن العجيب وطلب السماح من كل فاسد أسأت إليه في حياتي:وسماح يا أهل السماح!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن