قضايا وآراء

الانتصار الروسي

| تحسين الحلبي

طرح مركز أبحاث «إنتاج المعرفة» الإسرائيلي أول من أمس سؤالاً على واشنطن وحلف الأطلسي على الشكل التالي: «هل أدرك الغرب أن روسيا تحقق انتصارات عسكرية في أوكرانيا ويتعزز اقتصادها؟» ويجيب: «بعد التحرش الأميركي الأطلسي بروسيا طوال العقدين الماضيين وتوسيع حلف الأطلسي حتى حدود روسيا، جاء الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا لتتبعه حملات إعلام غربية مكثفة واسعة الانتشار لتحريض العالم ضدها، لكن هذا العالم يرى الآن أن روسيا تقترب من تحقيق أهدافها ويتبين أن الشركات الغربية التي غادرت روسيا باعت تكنولوجياتها ومنتوجاتها للروس، وأصبحت الآن تحمل علامات تجارية روسية محلية، وظهر أن حملة الإفلاس الوهمي التي رددها الغرب عن روسيا جعلت موسكو تتحول إلى مركز اقتصادي بديل في الشرق، وتلحق الأضرار بأصحاب الديون الغربية».

وإذا كان هذا الموقع العبري يجرؤ على الكشف عن هذه النتيجة بمثل هذا الشكل فإن السؤال الآن هو: «إلى أين يسير الغرب في هذه الحال؟

يرى داغ باندو من مركز أبحاث «كاتو للدراسات الإستراتيجية» الذي عمل سابقاً مساعداً خاصاً للرئيس الأميركي رونالد ريغان ومؤلف كتاب: «حماقات السياسة الخارجية: إمبراطورية أميركا العالمية الجديدة» في تحليل نشره أول أمس في مجلة «أنتي وور الأميركية الإلكترونية» أن الغرب «وضع أثناء اجتماع الدول السبع الاقتصادية الكبار سيناريوهاته الموعودة لاستمرار تعزيز الدعم العسكري لأوكرانيا وأعلن أنه سيقدم كل ما يحتاجه رئيس أوكرانيا من سلاح ودعم لتحقيق الأهداف المطلوبة، وهو ما أعلنه كذلك مسؤولون أميركيون في الأسبوع الماضي»، ويعلق باندو قائلا: «لكن أجوبة ويندي شيرمان نائب وزير الخارجية الأميركي تدل على أن مسألة استمرار الحرب على روسيا أو عدم استمرارها تعود لأوكرانيا ورئيسها وأن واشنطن تترك هذا الموضوع لرئيس أوكرانيا فلوديمير زيلينسكي وما يراه هو، وكرر مسؤولون أوروبيون ما قالته شيرمان».

ويشكك باندو بصدق هذا الموقف لأنه يوحي وكأن الغرب يمنح زيلينسكي القرار الذي يراه للتوقف عند هذا الحد من الهزيمة المتواصلة وسيقبل الغرب في هذه الحال بإيقاف الدعم العسكري عنه، ولا شك أن مثل هذا الاستنتاج المنطقي يشير إما إلى بداية التراجع الغربي عملياً عن استمرار الاستثمار الغربي في الحرب التي يشنها على روسيا، وإما أنه مجرد رسالة إعلامية واهية تريد إيهام العالم وأوكرانيا بأن القرار بيد زيلينسكي وليس بيد من يستغل الدماء الأوكرانية ويستميت لإطالة زمن هذه الحرب التي أصبحت بلا جدوى للغرب بل انقلبت عليه وعلى مكانته ومصالحه ومستقبل علاقاته.

الكل يرى وخاصة زيلينسكي نفسه، من سِجل أربعة أشهر على هذه الحرب الغربية على روسيا، أنه نفذ سلسلة من عمليات استسلام عسكرية تخلى فيها لروسيا وحلفائها في أوكرانيا، عن مدن كثيرة، ومن قام بذلك سيجد نفسه مجبرا على السير في هذا الطريق وصولاً إلى نقطة الاستسلام ما قبل الأخيرة أو الأخيرة بوساطة أي اتفاق لوقف النار تعود المصلحة فيه لموسكو أكثر من أوكرانيا.

ومع ذلك من يصدق أن الغرب حقاً يمنح للدولة التي وظفها في حرب ضد أعدائه حق الامتناع وحدها عن الاستمرار بالحرب ومن دون موافقته أو إجباره لها بأن تستمر؟

الهزيمة هنا لن تقع على أوكرانيا وحدها بل على الغرب كله وإن كان الغرب سيحاول الالتفاف على هزيمته بحجة أن أوكرانيا اتخذت قرار التسليم بالهزيمة، إذا وجد أنه عاجز عن دفعها للاستمرار على شكل حرب استنزاف طويلة تريدها واشنطن، لكن الأهم من ذلك كله أن الهدف الذي أعلنته واشنطن واتفق معها الغرب عليه وهو إضعاف روسيا وجيشها وقدراتها وإعادتها إلى وضع لا تستطيع فيه مواجهة الغرب أصبح في سجل الهزيمة، علماً أن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستين حدده بهذه العبارات منذ أشهر وكرره الرئيس الأميركي جو بايدين، ولا شك أن تصدي روسيا لهذا الهدف تسبب بإضعاف قدرة الغرب وليس قدرة روسيا الصاعدة.

حين تخرج موسكو من هذه العملية العسكرية ستكون أكثر قوة عسكرية واقتصادية، وأكثر نفوذاً سياسياً، وحلفائها، وتكون هذه الحرب الغربية هي آخر الحروب الإمبريالية التي تقودها القوى الاستعمارية من بريطانيا إلى أميركا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا، وستجد قوى الشرق من روسيا والصين وربما الهند نفسها قادرة على بناء نظام عالمي جديد لا يسيطر فيه الغرب الاستعماري على هذا العالم وشعوبه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن