من دفتر الوطن

حضارة لصوص

| حسن م. يوسف

من حق وواجب الإنسان أن يتعلم من أفكار غيره، ومن حقه وواجبه أن يطور تلك الأفكار وأن يضيف إليها ويبني عليها، فذلك من ضرورات التقدم، لأن الإنسان جملة لا تكتمل، والبشر رغم خلافاتهم واختلافاتهم ينتمون لتجربة واحدة لا تكف لحظة عن النمو، لكن عندما ينكر المرء فضل أفكار من سبقوه على فكرته، وينتحل تلك الأفكار لنفسه، عندها يصبح لصاً، بغض النظر عن أهمية الإضافة التي يقدمها.

يذكر قارئي المتابع أنني نشرت في هذا الركن بالذات يوم الرابع والعشرين من كانون الثاني 2021 مقالاً بعنوان «الغرب السارق» – تم حذفه من الإنترنت (!)- تحدثت فيه عن كتاب «السرقة من العرب: كيف شكّلت العمارةُ الإسلامية أوروبا» الصادر عن دار هورست عام 2020. للباحثة والمؤرخة البريطانية ديانا دارك. وتوقفت عند قولها: إن «العمَارة المسيحية الأصلية الأولى لم تولد في روما وإنما في الشرق البيزنطي في القرون الرابع والخامس والسادس، عندما كانت سوريا ومصر وبيزنطة مراكز العالم المتحضّر».

وقبل أيام تناقلت وسائل الإعلام تصريحاً للصحفي البلجيكي ميشال كولون المعروف بمواقفه المعادية للإمبراطورية الأمريكية، والذي يعتبر «إسرائيل هي الدولة الأكثر عنصرية في العالم». عنون كولون تصريحه بـ: «الغرب مجرد حضارة لصوص»! في ختام تصريحه أكد كولون بشجاعة يحسد عليها: «إن مجتمعاتنا الغربية قامت بنهب ثروات العالم الثالث، من دون دفع أثمانها على مدى خمسة قرون، ويمكننا أن نرسم جداول لكل البلدان الأفريقية الفقيرة، ونوضح من نهبها، وكيف. باختصار شديد، نحن، أو بالأحرى بعضنا، لصوص؛ ولهذا السبب صرنا دولاً ثرية على حساب الآخرين».

والآن بعد هذه المقدمة الطويلة اسمحوا لي أن أحدثكم عن كتاب مهم صدر مؤخراً، بعنوان «آثار المشرق في متاحف الغرب» الجزء الأول، آثار سورية» وهو من تأليف الباحثة السورية ابتسام بدر نصرة، وتصويرها، كما أنه طبع على نفقتها أيضاً. يقع الكتاب في 128 صفحة من القطع الكبير، وفيه توثق السيدة نصرة، بالصورة الملونة والكلمة العلمية السلسة الرصينة، جل القطع الأثرية المهمة التي اكتشفت في سوريا والعراق والتي تعرض حالياً في أهم متاحف العالم. أي إن الكتاب هو محصلة الزيارات المتكررة التي قامت بها المؤلفة للمتاحف العالمية التي تحتوي آثاراً مشرقية، وقد قامت المؤلفة بتصوير تلك الآثار بنفسها، كما كتبت عنها بلغة علمية تجمع الدقة إلى البساطة، موضحةً خلفيتها وأهميتها التاريخية، بغية «تعريف القارئ العربي بأعمال ومهارات الأجداد والفن المستجد في آثارهم».

تلتزم الباحثة الرصانة والهدوء في الطرح، إلا أن كتابها يحمل في كل صفحة من صفحاته صدمة وغصة. من المعروف أن اسم أوغاريت يعني «الحقل المحروث»، والحق أنني صدمت وغصصت عندما علمت من خلال الصور أن الأدوات الزراعية التي أعطت أوغاريت اسمها، تعرض الآن إلى جانب آلاف التحف الأوغاريتية المنهوبة في ثلاث قاعات كبيرة في متحف اللوفر!

شكراً للباحثة السورية النبيلة ابتسام بدر نصرة على هذا الجهد الراقي الخلاق، فكتابها هذا يشكل وثيقة بالغة الأهمية مرفوعة لأحفادنا، علهم يتجاوزون ضعفنا ويستردون آثار أجدادنا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن