ثقافة وفن

هيام حموي.. الصوت والذاكرة والذكرى

| إسماعيل مروة

ويأتي صوتها وحده.. تضج القاعة بالتصفيق.. ويرقب الجميع أن تظهر من هنا أو هناك، لتلقي تصبيحاتها على الشام وأحيائها، على سورية ومدنها، من دير الزور إلى جبلة إلى درعا والسويداء، فكل بقعة سورية لها نغمتها بصوت هيام، هذه النغمة التي تحولها إلى عشق وحب في كل مرة ترددها عبر أثير إذاعتها..

الجيل الكبير ما يزال يذكر هيام الصوت العذب الذي يأتيك من وراء البحار من مونت كارلو، وتشعر أنك أمامه على سفح قاسيون، والجيل الشاب يذكرها في إذاعة الشرق، وفي كلا الإذاعتين كانت هيام السورية الشامية التي تحمل عبق الورد والغاردينيا في كل مكان، فها هي ألفة الإدلبي السيدة الأديبة الراقية والمهمة تجلس إلى هيام ساعات تسرد حكاياتها مع القراءة والكتابة، مع خالها كاظم الداغستاني وزوجها المتنور، لتحكي قصة (دمشق يا بسمة الحزن) في حوار فريد ونادر كان لهيام التي تعيد لنا ألق ألفة الإدلبي، وقد حفظت أرشيفها في جعبتها تنتقل به حيث شاءت.. وتفاجئك بصوت عبد السلام العجيلي الأجش والطافح حباً، وتدلف بك إلى محمد الماغوط وحكايته مع الأدب، لتكون مثال الإعلامي والصحفي والمحقق الذي يستثمر كل فاصلة وكل لحظة، فمن حوار طويل يوثق رحلة السندباد السوري في أي مكان، إلى صوت من سورية، إلى فواصل للزمن الجميل، إلى شواهد في برامج تعدّ بإتقان كبير.

هيام حموي الصوت الحلم الذي لم يتغير، بطفلوته، بطيبته، بعذوبته، بكل تفاصيله رفيق ليالي معرض دمشق الدولي، حين كانت هيام تجلس في الاستديو الزجاجي، والحالمون بصوتها يحيطون بالاستديو عسى أن يسمعوا صوتها دون ميكرفون، وتخرج إلينا بالحب والود لتغمرنا بصوتها الذي مثّل ظاهرة لا تتكرر في الإذاعة.

هيام التي أحبت سورية والشام أكثر من أي شيء، وعلى طريقتها الراقية المحترمة، جاءت إلى الشام، وإلى شام، فحققت مع فيروز وصوتها ومنهجها الإذاعي تفوقاً كبيراً، وصارت هيام علامة من علامات الشام وشام.. ما من أحد لا يثق بها وبحبها، المثقفون بمختلف أهوائهم وميولهم لا يترددون عن إجابة هيام، بل يسعون للحوار معها، والفنانون مهما ارتقت مواقعهم وأسماؤهم، والمسؤولون والساسة، الجميع يحب هيام ويثق بها وبقدرتها وبأهمية الحديث معها، وكثيرون تداولوا كلاماً حقيقياً، بأن الحديث مع هيام، وإن كان إذاعة فإنه يحقق نسبة متابعة تتفوق على القنوات التلفزيونية العريقة، وببساطة شديدة لأنها هيام.

هيام المهنية العالية، فما من مرة استضافت ضيفاً للحديث في أمر، أو تحدثت عن كتاب أو ظاهرة إلا بعد أن تحيط بالموضوع من جوانبه كافة، فهي لا تدخل الاستديو خاوية الوفاض، يأتي زائرها ليجدها ملتصقة بالكمبيوتر، تأخذ من هذه الأيقونة ومن تلك، تقتطع من هنا وهناك، تجهز أمورها لأنها تحترم أشياء عديدة، أولها الإذاعة التي تعشقها، وثانيها نفسها، وثالثها ضيفها، ورابعها موضوعها، وخامسها دور الإذاعة.. وأشياء كثيرة ليست متوفرة على نطاق واسع كما هي عند هيام، التي لا تستخف بموضوع، ولا تتجاهل ضيفاً أو اتصالاً، ولا تتعامل مع عملها كمكسب، بل تتعامل معه كعشق حقيقي تريد أن تستمر فيه حتى تضع أوزار التعب..!

تعلو القاعة بالتصفيق لمجرد أن تخاطبهم هيام

ينتظرون أن تظهر فلا تظهر

وحين تعود للحديث هي معهم

هيام حموي في استراحة طويلة لأسبابها، لكنها لم تغب، صوتها ما يزال يصدح في الإذاعة، صباحاتها تنهمر على مدن سورية ومناطقها، برامجها المتفوقة لم تغب نهائياً، بل كل برنامج في موعده، وعلى طزاجيته وجماله وعذوبته، من هناك تعدّ هيام برامجها، تتواصل مع ضيوفها، تتكئ على الكمبيوتر تعد كل شيء ليصبح جاهزاً وفي وقته.

هي هناك في البعيد، ولكن عشقها للإذاعة لم يحل دون أن تكون موجودة، بإمكانها أن ترتاح وتلقي عصا الترحال، ولكنها لم تفعل، وتقول هيام: أعيش في برامجي والحديث مع أحبابي، أمارس الحب والعشق الإذاعي، ولا أقوم بعمل وظيفي انتظر إجازة منه.

هيام حموي إنسانة مختلفة، إذاعية لا تتكرر، قلب ينبض حباً وعشقاً للإنسان والوطن، لم تستطع السنوات الطوال، ولا الحروب والأزمات، ولا المشاحنات أن تثنيها عن عشقها، تكتفي هيام بدمعة حارقة عندما تتألم، تمسحها بكفها وتتابع سيرها إلى عشقها الأبدي.

في كل بيت معزوفة لهيام وفيروز

وفي كل أذن يرن صوتها العذب

يأتي صوتها

تضج القاعة

وتبقى هيام علامة سورية في الحضور والغياب

الحب كل الحب لعشق مهني لم نعد نعثر عليه في زماننا

والحب لانتماء فطري لا يعرف التقلب والهوى

ويصدح صوت هيام: صباح الخير سورية

هي صوت وصورة.. ذاكرة وذكرى

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن