قضايا وآراء

اللجم بالقانون

| أحمد ضيف الله

قال رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيس إقليم كردستان آنذاك مسعود البارزاني في الثالث من شباط 2016: إن «الوقت حان لكي يقرر أكراد العراق مصيرهم في استفتاء على الاستقلال عن بغداد»، معلناً في السابع من حزيران 2017، أن موعد الاستفتاء على انفصال الإقليم، إضافة إلى المناطق المتنازع عليها مع بغداد، مثل كركوك، ومناطق أخرى واسعة من محافظات نينوى وديالى وصلاح الدين، سيكون يوم 25 أيلول 2017.

الإعلان عن الاستفتاء تسبب في أزمة حادة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، حيث اعتبره رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي «ممارسة غير دستورية تعرّض أمن واستقرار البلد للخطر، وهو إجراء لا يترتب على نتائجه أي أثر واقعي، بل يؤدي إلى انعكاسات سلبية كبيرة على الإقليم بالذات».

وعلى الرغم من مقاطعة ثلاثة أحزاب رئيسة كردية هي الاتحاد الوطني الكردستاني، وحركة التغيير، والجماعة الإسلامية، حضور الاجتماع الأول للهيئة العليا للاستفتاء، وكل التحفظات والرفض الإقليمي والدولي والعراقي للاستفتاء، باستثناء إسرائيل، وفشل الزيارة التي قام بها مسعود البارزاني إلى بلجيكا في الـ11 تموز 2017، لحشد الدعم لاستفتائه برفقة وفد الهيئة العليا للاستفتاء، التي تجاهلتها كل الوسائل الإعلامية الأوروبية والعراقية، ما اضطره إلى القول في كلمة أمام البرلمان الأوروبي في بروكسل: «لماذا تقفون ضد تطلعات الشعب الكردي في تقرير مصيره وأنتم مؤمنون بالديمقراطية؟»، و«إذا لا تدعمون الاستفتاء فلا تقفوا ضده».

ومع كل ذلك مضى مسعود البارزاني في مشروع انفصاله عن العراق، مقيماً الاستفتاء في موعده، ضارباً عرض الحائط بكل التحذيرات والنصائح الداخلية والإقليمية والدولية، بعدم الإقدام على خطوة كهذه، لتجنيب انعكاساتها السلبية.

الحكومة المركزية فرضت بداية إغلاقاً للأجواء العراقية باتجاه مطاري أربيل والسليمانية، وفي الساعات الأولى من صباح الـ16 تشرين الأول 2017، أعطى رئيس الوزراء حيدر العبادي الأوامر لجهاز مكافحة الإرهاب والفرقة المدرعة التاسعة للجيش العراقي والشرطة الاتحادية وقوات الحشد الشعبي بـ«فرض الأمن في كركوك»، والمناطق التي استولت عليها بيشمركة البارزاني، معيدين كل شيء إلى ما قبل هجوم داعش على المناطق الشمالية، وما ترتب على الاستفتاء، خلال بضعة أيام.

وفي الـ20 من تشرين الثاني 2017، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا العراقية قراراً بـ«عدم دستورية استفتاء انفصال إقليم كردستان والمناطق الخارجة عنه»، ملغية كل الآثار والنتائج المُترتبة عليه.

عناد البارزاني وتحديه للسلطة المركزية، أجبره على التنحي عن منصب رئاسة الإقليم، مدخلاً الإقليم في دوامة من العنف والاضطرابات السياسية والأمنية، خاسراً معظم المكاسب التي كان قد حققها الإقليم بفعل فرض سياسة الأمر الواقع، حيث نجحت الحكومة المركزية في تفريغ مرامي الاستفتاء، بالقوة، ما شكل نهاية حلم الاستقلال الاقتصادي والانفصال.

ومثلما جرى في عناد إجراء استفتاء الانفصال، يكرر آل البارزاني اليوم العناد ذاته مع السلطة المركزية في بغداد، قارعين طبول التحدي والاستفزاز، رافضين تنفيذ قرار المحكمة الاتحادية الصادر في 15 شباط 2022، القاضي بإلغاء قانون النفط والغاز الخاص بإقليم كردستان، وبتسليم كامل إنتاج النفط في الإقليم والمناطق الأخرى إلى الحكومة الاتحادية.

فبعد أن وجهت محكمة استئناف بغداد/الكرخ، طلبات استدعاء للشركات النفطية السبع الكبرى العاملة في إقليم كردستان مطلع حزيران الماضي، للمثول أمامها بشأن الدعاوى المقدمة من وزارة النفط الاتحادية بحقها.

أعلنت شركة «بيكر هيوز» الأميركية، العملاق العالمي في مجال خدمات النفط في الـ25 من حزيران 2022، انسحابها من العمل «امتثالاً لقرار المحكمة الاتحادية العليا وتعليمات وزارة النفط بشأن إنتاج وتصدير النفط والعمل في الإقليم».

وفي الـ27 من حزيران 2022، أعلنت الشركة الأكبر في العالم لخدمات حقول النفط «شلمبرجير» الأميركية، التزامها بقرار المحكمة الاتحادية، والتعهد بأنها «لن تقدم على أي مناقصات في قطاع النفط والغاز» في الإقليم.

كما أعلنت شركة النفط الأميركية «هاليبرتون» في الـ30 من حزيران 2022، انسحابها وأنها «سترفض توقيع عقود جديدة أو المشاركة في المناقصات الجارية في إقليم كردستان العراق دون مصلحة بغداد».

وكانت شركة «دانة غاز» الإماراتية، قد أعلنت في بيان لها في الـ28 من حزيران 2022، «تعليق العمل بشكل مؤقت في مشروع توسيع حقل كورمور» الغازي، بعد تعرضه لهجمات صاروخية مجهولة المصدر.

إن أغلب الشركات النفطية العاملة في إقليم كردستان، ولاسيما تلك التي لديها أعمال كبيرة في جنوب ووسط العراق، ستنهي أعمالها في الإقليم خوفاً على مصالحها، وحفاظاً على سمعتها الدولية، فضلاً عن تجنّب المساءلة القانونية باستخراج وتسويق نفط مسروق، ما سينعكس على إيرادات حكومة الإقليم التي تشكل واردات النفط 90 بالمئة منها، مؤدياً إلى تقويض وعرقلة طموحات آل البارزاني في الاستقلال مالياً واقتصادياً عن الحكومة الاتحادية في بغداد، تمهيداً لإعلان الانفصال عن العراق مجدداً.

ما لا يفهمه آل البارزاني أن العراق دولة اتحادية، والإقليم جزءٌ منها، وليس شريكاً لها، وهنا بيت القصيد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن