قضايا وآراء

لا جديد عند بايدين سوى الحل الاقتصادي

| تحسين الحلبي

يعترف المحلل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت» رون بن يشاي في العدد الصادر أول من أمس في تحليل تحت عنوان: «بايدين ترك أسئلة إسرائيلية كثيرة من دون إجابة»، بأن زيارة الرئيس الأميركي جو بايدين التي استغرقت ثلاثة أيام إلى تل أبيب لم تحقق لحكومة يائير لابيد الاختراقات التي تريدها برغم ما حفلت به من استقبال متعدد الأشكال»، وفي الاتجاه نفسه قال رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق أيهود أولميرت للقناة 12 الإسرائيلية إن «الزيارة غلب عليها الطابع الاحتفالي وطقوس المشاركة بفاعليات لا علاقة لها بالسياسة بل بالدعاية وخاصة حين دعي بايدين إلى رؤية مشروع برنامج مدفع اللايزير الذي لم يكتمل بعد».

ومع ذلك لا أحد يصدق أن خططا عديدة لم يتم إعدادها، فليس من العبث أن يصطحب بايدين معه في هذه الزيارة خمسين من المسؤولين الأميركيين المتخصصين بمختلف السياسات الإستراتيجية وعلى رأسهم وزير الخارجية توني بلينكين، ومنهم المبعوث الأميركي الخاص بموضوع ترسيم الحدود البحرية بين تل أبيب ولبنان عاموس هوكشتاين، وربما جميع المتخصصين بالعلاقات الأميركية في المنطقة وفي السعودية، طالما أنه أنهى زيارته فيها.

ولا ننسى أن الزيارة صدر فيها ما يسمى «بإعلان جروزليم» برغم أنه لم يضف اختراقاً جديداً لإسرائيل بالمقارنة مع ما كان موجودا في سجل تاريخ العلاقات والمواقف المشتركة بين الجانبين منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وهذا ما تؤكده «وثائق التعاون الأمني والعسكري الأميركي – الإسرائيلي» في الموقع الإلكتروني العلني لوزارة الخارجية الأميركية في 21 تموز 2021 إلا إذا كانت إضافة عبارة «الشراكة الإستراتيجية» على هذا التعاون المشترك في «إعلان جروزليم» يمكن أن تدل على شيء جديد، ففي واقع الأمر كان من المألوف أن يجتمع قادة أركان الجيش في الدولتين بصفتهما «لجنة التعاون الإستراتيجي العسكري المشترك» في كل سنة للتباحث في مواضيع جدول العمل بينهما منذ التسعينيات، ومع ذلك لم يرقَ إطار هذا التعاون إلى درجة «المعاهدة الدفاعية المشتركة» وهي أعلى شكل للشراكة الإستراتيجية، لأن القيادة الإسرائيلية تخشى من أن تؤدي مثل هذه «المعاهدة» إلى تضييق هامش تحركها العسكري والأمني السري أو العلني لأن كل إجراء عسكري إسرائيلي سيخضع لموافقة أميركية علنية ومسؤولة أمام المجتمع الدولي، ولذلك تفضل واشنطن وتل أبيب المحافظة على هذا الشكل من التعاون العسكري الإستراتيجي المرن للطرفين، فواشنطن كان لها مع تايوان معاهدة دفاع ملزمة للطرفين ثم ألغتها بعد عودة علاقاتها مع الصين ولكنها لا تزال تدافع عن تايوان وتدعمها بكل الأسلحة من دون أن يكون محتما عليها خوض حرب ضد الصين بموجب معاهدة دفاع ملزمة، ولذلك تحافظ واشنطن وكذلك تايوان على هامش في التعامل مع تهديدات الصين باستعادة الجزيرة من أجل استمرار الأمر الواقع الذي يساعد العمل الدبلوماسي.

في حرب تشرين عام 1973 وجدت إسرائيل نفسها أمام خطر وجودي تعاملت معه واشنطن بكل أشكال الدعم العسكري والدبلوماسي من دون أن تشارك مباشرة بقواتها على الأرض إلى جانب الجيش الإسرائيلي، ولو كانت ترتبط بمعاهدة دفاعية لخاضت الحرب مباشرة إلى جانب إسرائيل أو ألغت من طرف واحد هذه المعاهدة إذا قررت الامتناع عن الالتزام بها.

في النهاية لم يحمل بايدين للموضوع الفلسطيني سوى الوعد بالحل الاقتصادي وليس السياسي الذي يفرض الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة.

وهو حين كرر الحل القائم على دولتين في مؤتمره الصحفي مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، أسقطه من حسابه حين قال إن الظرف الآن لا يتيح السير نحوه وجب الاكتفاء بتحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وبهذا الموقف أصبحت واشنطن شريكة لإسرائيل في تطبيق الحل الاقتصادي وكذلك شريكة لرئيس منظمة المؤتمر اليهودي الأميركي الملياردير رون لاودر الذي نشر خطة الحل الاقتصادي في الصحف الأميركية قبل أسبوعين بعد حصوله على النسخة الإسرائيلية منها، وتأكيداً لهذا التوجه المشترك أعلن بايدين عن دعمه لـ«أونروا» وللسلطة الفلسطينية بعدة مئات ملايين الدولارات كرشوة مؤقتة ريثما تتحول خطة الحل الاقتصادي إلى التنفيذ من أموال الدول العربية، ولذلك قال: المهم الآن هو استمرار حملة التطبيع العربية مع إسرائيل لكي يساعد ذلك في التوجه نحو «حل النزاع» بين الفلسطينيين والإسرائيليين وهذا في الواقع هو الحل الذي طرحه وزير المالية في حكومة لابيد الراهنة أفيغدور ليبيرمان حين تولى وزارة الخارجية في حكومة نتنياهو سابقاً.

يبدو أن واشنطن وتل أبيب اتفقتا على تفاصيل هذه الخطة وإخراجها للتنفيذ مع الخمسين مسؤولاً أميركيا الذين أحضرهم معه بايدين إلى تل أبيب ورافقوه إلى جدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن