أنا من أذهب إلى الدراما وليست هي من تأتي وتنصفني! … فايز قزق لـ«الوطن»: أنا في حالة سباق مع الزمن لأكون مع كل دفعة في حين البعض يسابق ذاته وراء كرسي أو منصب
| سارة سلامة - تصوير مصطفى سالم
عند كل مرة نلتقي الممثل والمخرج والمؤلف السوري فايز قزق، نتعلم معنى الصدق والنبل والاستمرار والبحث.. في مشواره هناك حقيقة صادقة وواضحة ترتكز على العطاء.
عند لقائه كان في غايتنا الحديث أكثر عن العرض الذي قدمه باحترافية عالية في المعهد العالي للفنون المسرحية بعنوان «الدار» عرض حمل خريجيه إلى طوق النجاة، عبروا بإشرافه.. فكان كدينمو لم يهدأ طوال الوقت يتحرك مع كل تفصيله لأنه يشعر بقدر كبير من المسؤولية.
التعامل الإنساني التبني وصدق العمل والصراع مع الوقت وسباق الزمن كان أبرز ما ارتكز عليه قزق منذ بداية انطلاقته إلى اليوم لم يهتم لكرسي أو منصب ولا مال يجنيه هو ينصب أمام عينيه عمله..
كما أن المعهد يعني له الكثير فهو الذي خرج أهم الأسماء وأعطى سورية شهرتها في مجال التمثيل لذلك هو يعمل بأقصى جهده ليبقيه واقفا على قدميه رغم كل العوائق.
وفي حوار خصّ به جريدة «الوطن» تحدثنا أكثر عن تفاصيل عمله وتدريسه وآخر عروضه ومسيرة المعهد..
• العرض بساعاته الطويلة لا مكان فيه للملل، نتحدث قليلاً عن الرسالة أو المقولة أو الدلالة منه؟
ليس هناك من دلالة معينة بل هناك دلالات؛ الغاية هي تدريب الطلاب على التفكير وطبيعة الوقوف على خشبة المسرح، وملامسة هذه الطبيعة بشخصيات ارتضينا أن تكون ضمن ميدان اسمه دار المسنين، فيه أحد عشرة نزيلاً، فتم فرز الطلاب من خلال التدريب إلى إدارة ونزلاء وحددنا المطبخ ومكان إقامة كل من النساء والرجال وغيرها من المرافق.
بحثنا في جغرافية المكان وبدأنا العمل بالطريقة العلمية لمفهوم الارتجال وهو الانطلاق من ورقة بيضاء وبدء كتابة ما يمكن أن يكون في المستقبل تأسيساً للشخصية بكل تفاصيلها وملامحها، وملامح السلوك عندها سواء كان الاجتماعي والاقتصادي والنفسي الفردي أم القادم من الجماعة والضغوطات المطبقة عليها من قبل الآخرين، ومدى وعيها لهذه الضغوط ومحاولة التملص منها إلى مساحة من الحرية خاصة بها وبتفكيرها. ما الذي يؤدي لاحقاً إلى اصطدامها يإيرادات الشخصيات الموجودة في الجوار أو التي كانت في حياتها فيما مضى.
• كيف تعاملت مع الطلاب وانتقيت الشخصيات وماذا عن الوقت والتدريب؟
تم البحث بها ووضعها على خشبة المسرح بإتقان من خلال عملية تدريبية تتعامل مع الجسد والصوت والحس لكل طالب وطالبة، حتى يتم وضوح شديد لهذه الشخصيات نبدأ بإنتاج مشاهدها المشهد تلو الآخر وليس بالضرورة أن يكون هناك ترتيب مباشر لها أثناء التدريب.
كل هذه الأشياء تمت دراستها خلال أربعة إلى خمسة أشهر ونحن نبحث بحثاً حقيقياً في دفعة ضخمة جداً يبلغ عددها واحداً وعشرين طالباً وطالبة وهي إحدى أكبر الدفعات التي مرت في حياتي على الإطلاق.
• ما الأسباب التي تجعلك باقياً إلى اليوم في المعهد؟
هذا المعهد في تقديري إحدى أهم المنشآت الثقافية في الوطن العربي وإذا كنا نتحدث عن الدراما السورية ومدى انتشارها فعلينا ألا ننسى أن هذه الشهرة اكتسبت من هذا المكان، ولو راقبنا أي مسلسل سوري والمسلسلات العربية لرأينا أعداداً كبيرة منها تخرجت من هذا المسرح.
منذ بداية الحرب حتى الآن قدمت كثيراً من الأعمال المهمة والتي تنوعت في مضامينها على خشبة المسرح كان هناك تجارب مهمة قبل الحرب سواء في مركب بلا صياد أم حلم ليلة صيف أو تقاسيم على العنبر، كممثل مسرحيات قدمت الكثير مثل وعكة عابرة، النفق، السيد روزالين، ومسرحية كنت مخرجها وفدت من الكويت بعنوان الخادمتان، ومشروع الباص في الهواء الطلق، ومشروع شارة وغيرها..
هذه المشاريع كانت متنوعة وتتفوق على المسرحيات التي تقدم الآن بعنوان المحترفة في المسرح القومي التي تخرج للآن ما هو عادي بالنسبة للمؤسسة المسرحية في وزارة الثقافة، أتمنى لو يأتون إلى هنا ويجندون هذه القدرات الإبداعية لكن لا أعتقد حتى هذه اللحظة أن هناك نية لوضع مثل هذه الخطة طالما أن الأشخاص هم أنفسهم وطالما أن الحوار مقطوع مع هذه المؤسسات التي باتت منغلقة على ذاتها وتحاور ذاتها بذاتها ليس إلا.
• برأيك هم لا يعون اليوم أهمية المسرح؟
بالتأكيد هم يعون أهميته لكنهم يخشونه لأن المسرح لا يمكن أن يكون مكان للهمروجة ولا الأهزوجة، يجب عليه أن يكون مكاناً للنطق والحوار والصراع هذا شيء حضاري بين البشر لتقديم وجهة نظر مهمة حول مشكلة من المشاكل وقضية من قضايا المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والسياسية، بطريقة فيها حوار راق وإنساني بعيداً عن الوحشية.
• العرض حمل إسقاطات كبيرة على الواقع السوري والشخصيات تعبر عن حالتنا كسوريين؟
هذا الأمر كان حراً، منطق الارتجال يعطي الممثل حرية مطلقة على خشبة المسرح وفي كتابة النص لكن ذلك يحتاج إلى وعي ونقاش مع المجموعة المشاركة، الممثل المرتجل ممثل ذكي، وهذا النمط من الممثلين يجب أن يكون طازجاً في لسانه وجسده وروحه ولماحاً.
والممثل الذي لا يستطيع أن يثقف نفسه لا يستطيع أن يترجم عمله على خشبة المسرح كمرتجل ولا يستطيع أن يقدم نفسه بطريقة بديعة وخلاقة ومشوقة قادرة على جذب الناس، وهذا ما كنت أدفع الطلبة باتجاهه هو نبش المشكلة الحقيقية لا الدوران حولها والتغافل عنها.
• ما ملاحظاتك على العرض وعلى الطلاب وهل كنت راضياً عنهم؟
سواء كنت ممثلاً أو مخرجاً أو في هذه الحالة مخرجاً مدرباً لا أستطيع الهدوء طالما أن هناك إنساناً يفترض أني مسؤول عن عمله، أما عن الرضى فبذلنا كامل مافي قدرتنا أنا وكل من الأساتذة حسن دوبا وآية محمود ويزن الداهوك وإدارة المعهد والدكتور تامر العربيد لترتيب هذه الأدوات والقاعة بطريقة نستطيع أن نحقق أفضل درجات الديكور والمكياج والملابس والإضاءة والصوت والموسيقا وجعل هؤلاء الشباب يسبحون في هذا البحر من الحرية والأناقة واللطافة وتقديم أنفسهم بعيداً عن أي منغص، كنت دائماً إلى جوارهم مكتبي في البوفيه مع هؤلاء الطلبة لا أملك مكتبا ولم أطالب به وذلك منذ أن دخلت إلى المعهد قبل نحو أربعين عاماً حتى الآن.
• جميلة هي حالة التبني بالنسبة لك؟
ليست حالة تبنِ بل هي حالة من العمل والوقت خاصة أن عداد الزمن بالنسبة لي كان يمضي سريعاً جداً.
منذ عام 1981 لم أسابق أي إنسان في حياتي بمن في مهنتي لا ممثلاً ولا مخرجاً كنت أطارد الزمن في نهاية الأمر أدرك أنه كان بإمكاني أن أسبق الكثيرين لكن أن تسابق الزمن أنت دائماً خاسر بمعنى أن تنتج أكبر قدر ممكن مما تخصصت به هذا الأمر يجب أن يكون مع الزمن وليس سباقاً مع الأفراد، السباق مع الأفراد يمكن أن يعطيك فرصة للنجاح عليهم أو لتجاوزهم لكن عندما تكون في سباق مع الزمن دائماً تكون خاسراً يمكن في هذه الحالة أن تتفوق على العديد من البشر دون إدراك هذا الأمر تماماً كالعدائين يسابقون الساعة في الثواني، أنا كنت في المعهد دائماً أسابق الزمن وكان البعض يسابق ذاته بذاته وراء كرسي أو سفرة أو منصب أما أنا كان سباقي مع كل دفعة تأتي إلى هذا المعهد خصوصاً قسم التمثيل.
• ماذا تقول في دفعات المعهد المتتالية على مدى السنوات؟
المعهد بطلابه الذين يأتون إلى هنا دائماً يشبهون أي طالب وأنا حتى على مستوى الإعداديات والثانويات والمدارس الإبتدائية عندما يرسب طالب أو طالبة أبتسم لأن الإنسان لا يرسب في هذه السن من يرسب هو إدارة المدرسة أو الثانوية أو الإعدادية أو الجامعة.
وعندما يرسب أحد الطلاب في المعهد عندي أنا من أرسب وليس الطالب وهذا لا يعني أني أعطي العلامات بالمجان على الإطلاق على الطالب أن يرسم علامته بنفسه من خلال عمله وسلوكه سواء داخل القاعة أو في المعهد أو حتى خارجه.
هذا النوع من الإحساس يدفعني للتفرغ شبه النهائي لكل دفعة كنت أقوم على تدريبها والإشراف على عملها سواء لسنة أم سنتين وأحياناً أربع سنوات، وفي كل مرة كنت أحاول أن أتفرغ لهذا الإنسان.
إذاً أنا لا أستطيع أن أقول كانت السنة الفلانية أفضل من الثانية أو هذه المجموعة أفضل من تلك المجموعة لا بل أقول الإدارة هي التي ترسب وهي التي تنجح والأستاذ هو الذي يرسب والذي ينجح، وأرى أن الإنسان يجب أن ينجح شريطة أن تكون إدارته ناجحة مؤمنة به وتمجده وتبجله أفضل تبجيل وتمجيد فهو المستقبل القادم ونحن الآفلون.
• شهد الموسم الرمضاني الفائت تميز فايز قزق على مستوى الدراما كيف ترى هذا العام بالنسبة لك من خلال عملين كنت حديث الناس؟
باختصار تفرغت قليلاً للتلفزيون.
• هل نستطيع القول إن الدراما بدأت تنصفك؟
أنا من أذهب إلى الدراما وليست الدراما من تأتي وتنصفني، أنا كممثل قضيت أربعين عاماً في المسرح أنا من أذهب إلى الدراما لإنصافها وليست هي من تنصفني.
أنا لست في معنى الضيق والخنيق حتى أكون بالدراما هذا المكان هذا المسرح كان هناك منتهى المساحة الشاسعة والحرية المطلقة التي لا يمكن أن تتواجد في أي مكان آخر وأي مسلسل تلفزيوني.
الموسم الذي فات أجمع الجمهور يمكن محلياً وعربياً على الشخصيتين اللتين قدمتهما إن كان في كسر عضم أو مع وقف التنفيذ.
بنهاية المطاف زبدة الخبرة يمكن أن توضع من الآن فصاعدا في هذه المسلسلات يعني يجب أن يتبدل الممثل لا النجم وهذا أمر مهم بالنسبة لي وهذا الأمر هو الشائع على مستوى العالم الممثل أين الممثل فينا هناك نجوم يومياً تقسم بعض الشاشات أربعة أقسام في كل قسم تجدين نجماً ونجمة من الخليج بصورة خاصة ومن العراق ومن الأماكن التي تتواجد فيها أقنية فضائية ذات الطابع الحديث (هؤلاء يقدمون النجوم بالعشرات كل شهر) هذا الأمر عادي أما أن تكوني ممثلة أو ممثل يستدام في عمله اللطيف ودائم في مبادراته الخلاقة مع كل دور في هذا التلفزيون فهذا أمر يحتاج إلى ترو.
• كيف تلقيت هذه الأصداء من الناس؟
أنا أحب الناس وأمشي بينهم يومياً بالفعل الناس في دمشق يعرفونني تماماً وأتحدث إليهم هؤلاء هم الذين غذوا الروح بي وخرجت منهم وإليهم أنتمي.
دونهم سأفقد أي معنى لي كممثل لن أمثلهم ولا أود أن أمثل غيرهم فأنا منهم وإليهم وأصافحهم وخصوصاً في اللحظات التي مروا فيها بأصعب أيام حياتهم خلال السنوات العشر الماضية وقفت دوماً إلى جوارهم وبينهم مع كلماتهم ومع بسماتهم مع بكائهم ودموعهم وأنا مصر على أن أكون معهم مهما كانت نتائج هذه الكينونة.