كلنا يعـرف تشارلز داروين «عالم الطبيعـة البريطاني الذي اكتسب شهرته بأنه صاحب نظرية التطور التي تنص على أن كل الكائنات الحية على مر الزمان تنحدر من أسلاف مشتركة». بعـد أن أصبح داروين صديقاً مقرباً من أستاذه عـالم النبات جون ستيفنز هنسلو أضحى معروفاً بـ«الرجل الذي يمشي مع هنسلو». في عـام1831 وصلته رسالة من هنسلو تعتبرُه رجُل الطبيعة الأمثل، وهو ما يؤهله للحصول على رحلة مُمَوّلة على متن سفينة البيغل لاستكشاف ورسم الخط الساحلي لأميركا الجنوبية. استمرت الرحلة خمس سنوات. احتفظ داروين بما جمعه من ملاحظات بحذر والتي مهـّدت لوضعه نظريـة «النشوء والارتقاء»، أما عـن جون ستيفنز هنسلو عالم النبات والجيولوجيا؛ فمن الأفضل تذكره كصديق ومعلم لتلميذه تشارلز داروين. كان لديه شغف بالتاريخ الطبيعي منذ طفولته، وهذا الأمر صبغ حياته المهنية، فأصبح أستاذاً مميـّزاً في علم النبات؛ ولم يمض وقت طويل قبل أن يميز داروين كطالب واعـد. وفي صيف عام 1831، عُرض على هنسلو كعالم طبيعة للإبحار على متن السفينة «بيغل» برحلة علمية، لكن زوجته منعته من القبول. عـندها رأى هنسلو تلك فرصة مثالية لتلميذه.
تعتبر القدوة أساساً مهماً في حياتنا وخاصة إذا كان المدير ناشئاً وفي أول عمره، ما خاض كثيراً من التجارب أو عارك الحياة بصعوباتها، هنا يبدأ بالبحث عن قدوة يتخذها مثلاً تمده بالتجارب والخبرات التي تصقل شخصيته وتساعد في تكوينها، من هنا تأتي أهمية القدوة في الحياة إذ إنها تسهل على الشخص جزءاً من المهام التي يسعى من خلالها لرسم طريق نجاحه.
وفي هذا الصدد لا بد أن نتساءل ما الصفات الواجب توافرها في القدوة ليتمكن الإداري من اتباعها؟ هل يمكننا الاقتداء بأي كان واتخاذه مثالاً في حياتنا؟ سنجد أن «القدوة الحسنة نموذج إنساني حيٌّ، يعيش ممثِّلاً ومُطبِّقاً للمنهج المثالي والواقعـي؛ فهي الدافع لوصول الشخص للمعالي والارتقاء بذاته ومؤسسته.
تكمن المصيبة في الاقتداء ببعض الأشخاص الزائفين بجعل المدير الناشئ ينحرف عن المسار الصحيح وتصبح تصرفاته وأفعاله شبيهة بتصرفات من اقتدى به، وهذا يؤدي لدخوله متاهات الضياع.
للقدوة صفات خاصة -كالنجاح، واتباع المنهج الصحيح، والهمة والعزيمة- يجب أن تتوافر في الشخص تؤهله لهذا الأمر، وفي هذا السياق يعتبر البحث عن القدوة إحدى مشاكل العصر الحديث، فالمعـضلة التي يواجهها هي انعدام القدوة، وتتمثل في غياب القدوة الحسنة الصالحة التي تكون عونا للمرء على النجاح والتفوق، فمنهم من يحاول تقليد شخصية مشهورة يجعلها نموذجاً يحتذى به، وأنها قد توصله لقمـّة الهرم التي وصل إليها ذاك الشخص، غافلاً في ذلك عن الطرق الملتوية والأساليب المشوهة التي يكون قد سلكها للوصول لغايته وشهرته الزائفة.
وتكمن المصيبة في الاقتداء بهؤلاء في جعل المدير ينحرف عن مساره المؤسساتي الصحيح وتصبح تصرفاته وأفعاله شبيهة بتصرفات من اقتدى به، ما يؤدي لدخوله متاهات الضياع وانحرافه عن المسار الصحيح، إضافة للتقليد الأعمى الذي يجعل من المقلِّد نسخة مشوّهـة عن الشخص المقلَّد، ليصير إمعة يقول بقول قدوته ويفعل فعلها من دون أن يدرك عواقب ما يقبل عليه.
عـن القدوة هنالك مثال شهير آخر؛ شمس الدين التبريزي العالم والشاعــر المتصوف، الذي كتب شعره بالفارسية وبالتركية والعربية، هو صوفي يُنسب لتبريز؛ ويُعتبر المُعلم الروحي لجلال الدين الرومي(مولانا).
تتلمذ عليه؛ فاعتكفا أربعين يوماً في مدينة قونية لكتابة قواعد العشق الأربعين، ثم قام شمس الدين التبريزي بالسفر لدمشق؛ حيث قُتل في مدينة خوي على يد جماعة من المناوئين له؛ وضريحه هناك مرشح ليكون من مواقع التراث العالمي لليونيسكو.
صداقتهما غيرت مجرى حياة كليهما، حيث إن الرومي تحول من رجل دين عادي إلى شاعر يجيش بالعاطفة، وصوفي ملتزم، وداعية إلى الحب.
في هذه السياق نسرد إحدى القواعـد الأربعـين: يوجد مُعلمون وأساتذة مُزيفون في هذا العالم أكثر عدداً من النجوم في الكون المرئي. فلا تخلط بين الشخص الوصولي الذي يعمل بدافع السُلطة وبين المعلم الحقيقي. فالمعلم الروحي الصادق لا يوجه انتباهك إليه ولا يتوقع طاعة مُطلقة أو إعجاباً تاماً مِنك. بل يساعدك على أن تُقدر نفسك الداخلية وتحترمها. إن المعلم الحقيقي شفاف كالبلور، يَعبر النور من خلاله. لكأن هذه القـاعـدة تصف بدقـة القدوة التي يجب أن يبحث عـنها المدير صانع القرار؛ ويسترشد بهديها.