يسعفنا الخيال العلمي عادة في إيجاد الحلول لأكثر المشاكل التي تعاني منها مجتمعات العالم الثالث، أو دول الجنوب، لكن المشكلة هنا أننا نعرف أنه مجرد خيال يتبخر في لحظة.
لكن المشكلة الأكبر والأخطر أن الخيال العلمي والسياسي والفني لا تغطي حقيقة مشاكلنا، ولن تنسينا واقعنا، وتخفف الاحتقان الساكن في نفوسنا والذي يؤرقنا على مدار الساعة، بل على مدار الثانية.
فلو عدنا بالتاريخ إلى العام 1895 وقرأنا رواية الخيال العلمي«آلة الزمن» للكاتب والأديب البريطاني هربرت جورج ويلز، لتمنينا الصعود إلى تلك الآلة التي تسير بالزمن نحو الخلف، أي إننا قد نعود إلى خمسين أو مئة عام خلت لنعيش أوقاتاً سعيدة أو نستعيد ذكريات تاريخية لم نعرفها وربما زوّرها المؤرخون!
لماذا لا نوجه آلة الزمن نحو المستقبل فنطير إلى العام 2322، أي بعد مئة عام من الآن، ترى ماذا سيحدث بعد هذه المدة من تطورات وأحداث؟
بما أننا نعيش في خيالنا العلمي فلنا أن نتصور بعض ما سيحدث بعد قرن كامل من الآن، وأول ما سنعرفه أننا في عصر حديث جداً يعيش بلا الوقود الأحفوري، أي بلا نفط، فقد نضب هذا الوقود من العالم، وباتت الشمس هي مصدر الطاقة الأول في عالم ما بعد المئة سنة. لكننا نحن هنا سنتمرد على هذا النوع من الطاقة وسنجد أحفادنا ينتظرون الرسالة الذكية لاستلام أسطوانة الغاز كل ستة أشهر أو أكثر، ورسالة البنزين كل شهر ونصف الشهر بمعدل ثلاثة لترات بسعر 250 ليرة سورية للتر الواحد.
وماذا عن أزماتنا الأخرى؟ كيف ستصبح بعد مرور قرن من الزمن؟
لنأخذ مسألة التدفئة التي كانت قبل مئة عام تقوم على المازوت والغاز والكهرباء والبطانيات، هذه الأزمة سيتم حلها جذرياً، فحرارة الإيمان ستكون كافية، ومن أراد الزيادة فبإمكانه الحصول على حريرات خاصة يتم توزيعها عبر منافذ مخصصة للكالوريز وفق شروط صحية مدروسة بعناية!
موضوع توزيع الرز والسكر والزيت عبر البطاقة فائقة الذكاء تجاوزه الزمن، لأن الحكومة ستوزع المخصصات للأسر والعائلات على شكل حبوب، تماماً كحبوب الدواء، فيحصل الفرد على ست حبات سكر ومثلها رز وتحميلة سمنة وإبرة زيت قلي بعد الإفطار بنصف ساعة، وهكذا!
أما المواصلات والاتصالات فهي من المشاكل التي كانت مستعصية، لكن العلم الحديث بعد مئة سنة أوجد الحلول، فالمواصلات ستعتمد على الحمير والبغال والجمال والدراجات الهوائية والمشي السريع والبطيء حفاظاً على البيئة والصحة معاً.
وفيما يخص شبكة الإنترنت فقد تم فتح حسابات لجميع المواطنين عبر بوابات حكومية مسؤولة عن إيصال الأفكار والرسائل لأصحاب العلاقة بعد فلترتها والحفاظ على سريتها تقريباً! والتأكد من أنها لا تحتوي على أفكار هدّامة تودي ببعض الناس إلى التهلكة!.
تلاحظون أن صاحب رواية «آلة الزمن» وفر لنا طرقاً عبقرية لحل مشاكلنا بيسر وسهولة وبما يدخل الفرح والسرور والغبطة إلى نفوسنا، لكنكم تلاحظون أيضاً أننا سنفكر بهمومنا كما هي اليوم ولو بعد مئة سنة، لأننا باختصار نظن أن هذه الهموم وتلك المشاكل بمنزلة القضاء والقدر ستلازمنا من الآن وحتى يرث اللـه الأرض ومن عليها، ومن له رأي آخر فليشرف ويتحفنا به قبل أن أصعد إلى آلة الزمن وأقول لكم: باي.. باي.