في البداية نقرأ عن فلسفة الذوات العارفة أو القارئة التي تمتلك عين البصيرة والتبصّر.. عين المتلهف إلى نبع المعرفة الأسمى إلى الارتواء من شهده، من ترياق الشيء الجوهريّ إذ وصلنا إليه، وإذ وصلنا إلى بئر أسحاره، وإلى عظمته، حيث الانضواء الكامل تحت ظلّه، ظلّه المعرفيّ الساكن، حيث تبدو علائم النور، ظاهرة، بازغة الحدوث، كشمسٍ نريد أن تدور من حولنا.. وأن تُشكل ماهية الجوهر المعرفي لدينا.
ذلك الجوهر الذي تتمحور ذواتنا من خلاله.. تتمحور «وكأنّها قارئة الشيء» وعظمته، قارئة الأشياء التي لا تعرف حداً لشيء اسمه «الاكتفاء المعرفيّ» الاكتفاء بما وُجد، بما تملّكت به النّفس الراقية، هذه النّفس التي يجب ألا تعرف فنون الاكتفاء، وأن تظل في حالة «الظمأ الدائم»..
لِمَ يُسمّى النهم المعرفي أو الارتواء من جوانبه كافة، من حيث بحره الزاخر؟.. وخزانه الوافر، خزانه البديع الوصف..
وهذا يقودنا إلى الحديث عن الذوات العارفة أو «الذات العارفة» الذات التي تسبح هائمة في أفلاك عظمة الفكرة، عظمة الانعراج إلى بيارقها، بيارق النطق المعرفي الأول.. النطق الساعي إلى تجديد «أنجم الفكر وضوئه المنير المستنير» الساعي إلى استسقاء من الشيء المعرفي.. ومن أنواره، وعلوم الشيء المستحسن وصفه، والاستزادة منه.
كلّ هذا يجدّد لدينا فكرة البحث عن فلسفات الذات العارفة، الذات القارئة والتي لا تلمح ما تستطيع الذات العادية أن تلمحه حقاً.. فكأنّنا أمام شموس خلاقة، ولكن نريدُ عيوناً تعشق فنون البصيرة لترى حقاً هذه الأنوار، أنوار المعرفة الحقة والثقافة المُثلى، وأنوار الثقافة التي تمثل لنا غاية وجوهر ما تُمثّل، تمثّل السير على طريق وضاء المعالم، وضاء القيم، وضاءة الخلق الذي يبحث عن كل جديد، يبحثُ عن فكرة الابتكار وهذا الأهم.
كما يجب علينا أن نعرف ذواتنا التّواقة إلى فلسفات الابتكار الحالم، فلسفات امتداد رقعة الحلم المعرفي، رقعة اتحاد الجزئيّة بالكليّة، كُلية الأشياء المعرفيّة وماذا لو عثرنا على هذه الكليّة؟
وعلى هذا الفائض المعرفي الذي نريده.. نريدُ أن نسبح في عمق أفلاكه «أفلاكه المعرفيّة ربّما» هذه الأفلاك التي تنشد وتناشد أقمار المعرفة.. وهذه الأنوار المعرفيّة تُشاغل الوقت بشيء من سُبل الإبداع الذي لا يتوقف، وإنما يشكل ما يُسمّى التراكم المعرفيّ أو الثقافيّ.
وهذه التراكمية قد تأتي وفق تراتبيّة ما أو تراتبيّة الفكر، أو تراتبيّة الأساطير الوهّاجة الأساطير، الوهّاجة المعالم.. وهّاجة المعرفة وخلائق الإبداع التي تُنشدها الذوات العارفة، الذوات الناطقة أدباً ومعرفةً.. هذه الذوات التي تزخر بما يمتلك بحرها، وبما يأتي عليها ليصقل تراكمية وجدها أو تراكمية مجدها المعرفي.
وقد يأتي ليصقل حالها الموزون، حيث عظمة النوط الثقافية أو ربما إبداع الشيء الذي يمتلك جوازم معرفية في تركيبة العقل الثقافي، ما يجعل الأشياء تطيب تحدثاً معرفياً.
ما يُشكل بواطن أمره وحالاً آخر، يحاول الارتقاء إلى حالٍ آخر يتأتى إلى بعض أمره وحالات الاندماج معه.
إذ يُرامُ به، ومن خلال عظمته تخلق عظمة الثقافة وينبغي التزود المعرفيّ بسرّ جوهرها وحال نجواها الذي يقول: إن الذات العارفة يجب أن تستلهم حقيقة الجوهر الأصلي، حقيقته العارفة، والغارقة حدّ الامتلاء الأقصى وتشكيل تواريخ من الأدب، من نبالته، من عظمة أحكامه، وتقويمات نهجه الساكن إلى معرفةٍ ما، وما يُقابله من انتهاج فرضيات عالمة المعرفة، وبالتالي تُسمّى عالمة الأنوار الثقافيّة التي تنبعث من الذوات العارفة والقارئة على حدٍ سواء.