بالرغم من العلاقات الوطنية التي جمعت بين إسبانيا في الماضي بحكم موقعها الجغرافي وبين شعوب الأمم المختلفة كالفينيقيين واليونانيين والقرطاجيين والونداليين والجرمانيين، إلا أنها لم تترك أثراً كما فعل الغزو الروماني والفتح العربي الإسلامي حيث تركا أثراً لا يمحى عن هويتها، فبينما ورثت إسبانيا عن روما اللغة اللاتينية ونظماً أدبية وفنية ودينية وقانونية وسياسية، فقد انصهرت في ثقافة عربية إسلامية موحدة على اتساعها من الهند شرقاً حتى الشمال الإفريقي غرباً، وهكذا فقد شكل هذا التراث الثقافي لكلتا الحضارتين جزءاً من هويتنا المزدوجة، وهي الهوية العربية، وعلى الرغم من السيطرة الرومانية إلا أن التعصب الديني الذي أجج أواره الصليبيون في العصور الوسطى قد جعل كل فضل أداه العرب المسلمون في إسبانيا ولمدة ثمانية قرون ينسى وبإجحاف متعمد، وبمجرد طرد آخر الممالك العربية من إسبانيا بعد سقوط غرناطة، بقي أثر لا يمحى لهذه الحضارة المميزة من خلال المظاهر الفنية والأدبية واللغوية والثقافية المتوارثة، لذلك فعلى إسبانيا أن تستيقظ من هذه الفترة الطويلة من السبات، التي امتدت منذ 1492 حتى وقتنا هذا، وأن تستعيد هذه الهوية عبر سلسلة من الإجراءات، يجب أن تعود إسبانيا إلى المصير الذي منحه اللـه لها دون أن تتنازل عن كينونتها ولا عن المسؤولية المنسوبة إليها، وذلك لثروتها متعددة الثقافات، فعليها أن تكون الحكم والوسيط للتفاهم بين الشرق والغرب خاصة في الظروف التي سادت شبه الجزيرة الإيبيرية والتي مهدت للفتح العربي الإسلامي وتحديداً الحروب الأهلية التي دارت رحاها في المجتمع القوطي في ظل تفاوت طبقي مرير بين طبقة النبلاء وطبقة العبيد، الظروف التي لم تخف عن العرب المسلمين في الجانب المقابل للساحل الأندلسي ودفعتهم من ثم إلى شن الهجوم العسكري عام 710 بقيادة القائدين العربيين (موسى بن نصير)، وطارق بن زياد، ويذكر تاريخ شبه القارة الإيبيرية أن قبائل (الوندال) التي احتلتها لفترة لم تدم طويلاً قبل السقوط وهي القبائل التي اشتق العرب منهم اسم (الأندلس).
وخلاصة القول: إن الأندلس والحضارة العربية تبقيان ماضياً مشتركاً لحديث عن أثر الحضارة العربية في الأندلس والتي مهدت فيما بعد لقيام نهضة أوروبية شاملة في كافة ميادين الحياة.
وللعرب ذكريات خالدة في الأندلس، في غرناطة وإشبيلية وقرطبة والنهر الكبير الذي شقه عبد الرحمن الداخل، وفي أذهاننا بقي صوت الشعر العربي أثراً في الأندلس، ولـ(ولادة بنت المستكفي وابن زيدون وابن جهور) حضور دائم في بلاد الغرب، وما زال أدباء وشعراء أوروبا يكتبون قصائدهم على نمط شعراء الأندلس.. إنه التاريخ العربي الذي حط رحاله في قلب أوروبا، وليس لعمر تاريخ الأندلس حد.