ثقافة وفن

ريم قبطان.. والتمسك بالهوية … ربط الخط العربي بالزخرفة

| نبيل تللو

يتميَّز كلُّ معرضٍ من معارض الفنون التشكيلية التي تجري باستمرار في صالات العرض الرسمية والخاصة، في كلِّ مدينةٍ من سورية، بصفةٍ تميِّزه عن غيره، لفنانين ينتمون إلى كلِّ بقعةٍ من الوطن السوري، فاتجاهاتهم ووسائلهم وأساليبهم تختلف بالشكل والمضمون، ومع أنهم يحظون جميعاً بإعجاب المشاهدين، إلا أن درجات هذا الإعجاب تتفاوت من متفرِّج إلى آخر، غير أن معرضاً زرته مؤخراً للفنانة التشكيلية السورية ريم قبطان، قد حاز -بتفرُّد لوحاته- على استحسان ورضى كلِّ الحضور، وأثنى كلُّ واحدٍ منهم على كلِّ لوحاته، واعتبرها قفزة نوعية في مسيرة الفن التشكيلي السوري، وهذا ما دعاني وشجَّعني على كتابة هذه المقالة، راجياً أن يتذكر كرام القارئات والقراء ما نسوه، وأن يتعرَّفوا على ما لا يعرفونه، آملاً أن أكون قد قدَّمت لهم المعلومة المفيدة والمهمة.

الفنانة التشكيلية السورية ريم قبطان، التي لم يمنعها زواجها وإنجابها أربعة أولاد، من نجاحها وتحقيق طموحها في تنفيذ أعمالها في فنون الزخرفة والرسم والخط العربي، بتشجيعٍ أهلها، ودعم زوجها الدكتور الطبيب الجراح محمد علي الأسطة، وهي رئيسة جمعية الخط العربي والفنون في دمشق، عضو أصيل في اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين، فنون تشكيلية اختصاص تصوير وخط عربي، خريجة المعهد التقاني الهندسي، اختصاص رسم هندسي، برزت موهبتها الفنية منذ الصغر، بدأت مسيرتها الفنية بانتسابها إلى مركز أحمد وليد عزت للفنون التطبيقية في دمشق ــ قسم الخط والزخرفة، ومركز أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية في دمشق، وفي معهد التقانة للفنون التطبيقية ــ قسم الخط والزخرفة ــ في قلعة دمشق، وتخصَّصت بخطي النستعليق والنسخ الفارسي فوق ممتاز بمدينة قُمْ في إيران «أنجمن خوشنويسان إيران»، وتتلمذت على يد الخطاط الإيراني الأستاذ علي أصغر نظري «في خط النستعليق، كما تتلمذت على يد الأستاذ الخطاط عاصم الرهبان في الخط الديواني.

شاركت في السنوات الماضية بعدة معارض جماعية، منها معرض الخريف السنوي في خان أسعد باشا، وأقامت خمسة معارض فردية في كلٍّ من قاعات المعارض بالمستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية ــ ساحة المرجة ــ ودار الأسد للثقافة والفنون (الأوبرا) والمركز الثقافي العربي أبو رمانة في دمشق، ومعرضها الخامس الأخير هذا جرى في المستشارية الإيرانية في يومي 25 و26 أيار 2022، وضمَّ خمسين لوحةٍ فنية تشكيلية مختلفة المقاييس، وكل منها تضاهي الأخرى بجمالها وتفرُّدها.

حمل معرضها الأول في المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في دمشق عام 2019 عنوان: «منياتور دمشقي»، على حين حمل معرضها الحالي عام 2022 عنوان: «قلبي يحدِّثني» المأخوذ من عنوان إحدى لوحات المعرض، وهو مطلع القصيدة الشهيرة للشاعر «ابن الفارض»، أحد أشهر المتصوِّفين والعارفين والعابدين، والنصُّ الكامل لمطلع القصيدة البارز في اللوحة هو: قلبي يحدِّثني بأنَّك متلفي، روحي فداك عَرِفت أم لم تعرف».

المتجوِّل في المعرض يتلمَّس التجليِّات والروحانيات في محراب العشق، ويتحدّث طويلاً مع قلبه باثَّاً مكنونات نفسه، حيث تتضمَّن كلُّ لوحةٍ عباراتٍ عرفانية من أشعار ابن الفارض وجلال الدين الرومي وشمس الدين التبريزي وحسين بن منصور الحلاج ومحي الدين بن عربي والقاضي الفاضل، ناهيك عن عدة لوحات تضمَّنت أبياتاً شعرية لشاعر الياسمين الدمشقي نزار قباني وهو يصف معشوقته دمشق، وكلُّ الأبيات أتت ضمن رسومٍ وزخارف أحسنت الفنانة رسمها بما يتلاءم ويتناسب مع معنى البيت، على حين كانت الكلمات بخطوط النستعليق الفارسي والديواني والكوفي، وتزِّينها الطيور مختلفة الأنواع مثل الحَمَام والعصافير، ونُفِّذت بتقنيات الأحبار الملوَّنة والأكريليك المذهَّبة والغواش على الورق المقهر والأبرو والكانسون وقماش الكانفاس.

أحسنت الفنانة ريم قبطان برسوماتها وخطوطها، واستحقت إعجاب كلّ زوار المعرض، حتى إن بعضهم قد وصفه بأنَّه يكاد أن يكون، إن لم يطابقه تماماً، لفن المنمنمات، الذي هو أحد الفنون التقليدية في البلدان الإسلامية وبعض البلدان الآسيوية والأوروبية، وتُعَدُّ صوراً تسجيلية للحياة والبيئة والعادات والمعتقدات والطقوس والأحداث التاريخية والعمارة والأزياء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن