ثقافة وفن

مسلسل شرف يدافع عن المرأة ولا يستطيع إنقاذها … مجيد الخطيب في أول أعماله: شبابي.. تحرري.. مثير للجدل

| نهلة كامل

لم يترب على أسلوب أبيه باسل الخطيب، لتكون لغته تقليداً جاهزاً لمبدع كبير.

مجيد الخطيب يريد ابتكار أسلوبه بعد الدراسة الأكاديمية، بحساسية الفنان، وقناعة الشباب، واختلاف نظرة آسرة عرفناها منذ جسد طفولة نزار قباني على الشاشة.

ويأتي عمله الأول الذي يناقش قضية الشرف، مواكباً ومتزامناً مع جرائم مستنكرة بحق المرأة، هزت المجتمع العربي مؤخراً، والتي يجب أن تغير أعرافه وقوانينه لكنها تتوقف فقط، عند عبارات الاستنكار.

شرف لا يدعي الاستشراف، بل يذهب إلى تظهير ما يحدث في كل لحظة، كاشفاً ذاك التباين بين الجرائم المرتكبة، وبين الموقف الاجتماعي والتلطي وراء التقاليد والقصائد.. أي لا تغيير مهما كانت الجريمة فادحة.

لكنه يسعى، أمام هذا كله، إلى هز القناعات، لتنخلق فكرة التغيير داخل الوسط النسائي أولاً، بالتفاف على الواقع، سيصل حد حلم المؤلفة بتعاون مشروع لتدارك النتائج الظالمة.

يطرح «شرف» قضيته في عشر حلقات، استناداً إلى واقع ظلم المرأة، مصوباً هدفه إلى جوانب مصيرية في متلازمة المرأة والمجتمع الذكوري المدعم بالقوانين والتقاليد، والمكرس لحرية الرجل وكونه القضاء والقدر.

مغامرة بصرية جريئة

وتقتحم كاميرا مجيد الخطيب جدران المحرمات، في مغامرات بصرية جريئة، لتلتقي ضوءها على عتمة اللامرئي في حياة النساء العاشقات وضحايا الخديعة والاغتصاب في مجتمع متزمت الشرف لديه هو عذرية المرأة، والقضاء عنده جريمة شرف تبيحها الأعراف ويبرؤها القانون.

ويحسب لجرأة التنوير الدرامي، أنه يبدأ من الذروة، مقتحماً الواجهة البصرية مباشرة إلى الصورة الخلفية السرية، حيث لابد من وجود آسيا، كبؤرة تلتقي عندها خطوط الصراع، وهي الممرضة التي يدفعها تعاطفها مع المرأة حيناً وحاجتها للمال أخرى، إلى اختيار يوجز الحدث منذ الموقف الافتتاحي للمسلسل: بين الكذب لإنقاذ فتاة، أو الصدق لتقديمها إلى الموت في مجتمع ينتظر منها كلمة عذراء أم لا؟ وحيث يبرع الخطيب في تصوير لحظة اتخاذ قرار سيبرز بعدها المنطق الجديد الذي يبني فوقه المسلسل موقفه، بما كتبت جبور، وما حققته رؤية الخطيب للمرأة كإنسانة من حقها الحياة والاختيار والتطور.

وكان لابد للمسلسل في قضية موت أو حياة، إنقاذ أم إعدام من فرز شخصيات تعيش وراء الجدران المغلقة سلباً وإيجاباً، لنجد شابات يسعين لترميم عذريتهن خوفاً من الموت والفضيحة، وبالمقابل ثريات عشن حياتهن اعتماداً على الدولار ثمناً لتدارك سلوكهن وتعزيز مقامهن الاجتماعي، حيث تكون آسيا نقطة التقاطع.

ولا يضع شرف كافة الرجال في سلة واحدة، وهناك الأب المتوحش، النجم فراس إبراهيم والزوج الثري الشاذ، النجم وائل رمضان، لكن شرف يعلق الآمال على النماذج الشبابية الإيجابية في العاشق صارم، بطل المسلسل جوان خضر، والأخ الذي يسعى لتغيير مصير أخته الفنان مجد فضة.

ويعطي المسلسل أهمية أولى للأم المتفانية، أم آسيا جسدتها النجمة صباح جزائري، وأم الضحية إيمان، الفنانة القديرة هناء نصور، ولا ينسى إدانة الأم الفاسدة التي تبيع ابنتها – بطلة المسلسل دوجانا عيسى- في صفقة زواج من ثري فاسد.

وبداية من هذا الفرز الواضح تنحى الخطوط الدرامية الكثيرة إلى خوض اشتباك يتكشف عن منطق جديد، وشخصيات تخطت تقليدية الواقع إلى النبش تحت سطحه الكتيم.

ترميم المفاهيم

وما إن تتجاوز آسيا خطوتها الأولى نحو حل رتق العذرية، حتى تجد نفسها أمام مجتمع مهتوك يجب ترميم مفاهيمه قبل عذريته، حيث تتطور مهمة آسيا في تجارب نسائية قاسية، بين الحاجة والمبادرة، الجريمة وابتكار الحل، لتؤدي شخصية مركبة تحقق حضوراً لامعاً جديداً لأمل عرفة على الساحة الدرامية. وتجد مشهدية مجيد الخطيب نفسها في خضم مجتمع يجب سبره أفقياً وشاقولياً، وسيحسب لصالح المسلسل مرة أخرى، أنه لا يقدم حالات ستاتيكية بل أحداث لاهثة متغيرة قبل أن يجد نقاطاً مضيئة داخل شخصيات تطورها المعاناة والقناعة ومواجهة الظلم القاتل، ستعمل على تقديم حل مأمول، في المنطق الموضوعي، أو التمني كحلم يراهن عليه المسلسل.

ويعمد شرف إلى الإعلان تارة والترميز أخرى، متفادياً المفاهيم التقليدية المكرسة والصامتة، ليقدم الذروة في قضية إيمان المتزوجة سراً، والتي يعمد والدها إلى دفنها حية ويعود ليقتلها بعد ما أنقذها أخوها، وبالمقابل الزوجة في المجتمع الثري التي يظن زوجها أنه يمتلك شرفها فيعذبها بالشذوذ تارة ثم بالسادية حتى تقتله دفاعاً عن النفس في جريمة شرف بطلتها امرأة لا يبيحها ولا يبرؤها القانون بل يحكم عليها بالإعدام مخففاً بالمؤبد.

ولا يدعي المسلسل أنه استطاع إنقاذ الضحايا من النساء، بل قدمهن قرابين للتفكر بمنطق جديد، ولم تكن قضية التغيير أسلوباً درامياً سهلاً، فالرهان على تطور الشخصيات والمواقف ثم المفاهيم استدعى تغييراً في التأليف وسلوكياً في رسم الشخصيات ومصائره.

لنجد مواقف المسلسل تتغير من داخل شخصياته، فالنساء يتطورن نحو التعاون والتضامن مع الشابات الضحايا، ومع آسيا عندما سجنت بتهمة ممارسة الطب بلا رخصة، والتي لم يقدمها المسلسل مذنبة بعد موت إحدى الشابات عندها في حالة إجهاض، كما استدعى التغيير تمثل القانون في شخصية محامية بارعة متعاطفة تؤديها الفنانة روبين عيسى.

ويفرض التغيير أيضاً تطور الشخصيات الذكورية ليقدم الأخ الذي ينقذ أخته بعد دفنها، ولعل هذا هي الصورة التي يشتهيها المسلسل للواقع والتي ستصل إلى حد مفاهيم جديدة، بعكس المتعارف عليه، فالمرأة قوة المرأة وليست عدوتها، والأمهات اللواتي يتصدين للدفاع عن بناتهن بحزم وتضحية يغيرن صورة الأم الضعيفة المغلوبة على أمرها.

رؤية أخرى.. ومشتهاة

منطق آخر، ومفاهيم جديدة مشتهاة، تتداعى وتستدعى بعد تصوير مشهدية نسائية سوداء، لم تستطع إنقاذ الضحايا، لكنها تطلعت إلى الإدانة واحتضان النتائج، مقدمة لتغيير مأمول، لنجد آسيا وزوج الضحية صارم يتفاهمان على تشكيل عائلة تحتضن طفلين بلا أم، باللعب على الشكل الاجتماعي المألوف والمقيد للأسرة.

ولم يكن تحقيق عمل جريء يسعى إلى المجابهة والمحاكمة، ويأخذ حريته في تصوير البدائل، عملاً سهلاً كأول مسلسل لمجيد الخطيب، وقد تطلب جمع الجرائم والمحرمات والأحلام داخل كادر مشهدي واحد، والعمل على إعادة تركيب الواقع الدرامي والشخصيات من رؤية الرفض والتغيير.. فقد استدعى ابتكار مشهدية أخرى في الإيحاء والحوار والسرد البصري مستعيناً بالخارجي والجواني ولغة الجسد وشراكة الطبيعة وتأويل الرمز.

الرؤية الأخرى لممارسة الحياة، والتعاون في سبيل إنقاذ المرأة، ولو لم يحن أوانه، هي بطلة المسلسل، الذي لم يبخل في تجسيد فريقي الصراع القائم، ولا يزال.. الظالم والآخر الذي يجسد حركة داخلية للمجتمع ورؤية مختلفة تتشكل من آسيا وصارم والأخ وفريق النساء اللواتي عرفن أن عليهن الاتحاد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

عمل تحرري متقدم صادم، يريد تغيير المفاهيم الظالمة للمرأة بكل السبل، اللافت أن تتبناه منصة فيسبوكية، ولعل هذا أيضاً دعوة إلى مفهوم آخر لعمل هذه المواقع المنتشرة في حياتنا كالعشوائيات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن