قضايا وآراء

القمم وسراديب الحقيقة

| منذر عيد

بين المعلن من مواقف الدول الغربية ومن يسير في ركبها، في بازارات القمم التي يعقدونها بين الفينة والأخرى، وما يخفون من نيات ومخططات في سراديب الحقيقة، إزاء الوضع في سورية، يضع المتابع العادي في حيرة، ويدفع المهتم إلى التساؤل، إذا كان الجميع متفق على ضرورة حل الوضع سياسياً، وضرورة القضاء على الإرهاب كما يعلنون جهاراً، فأين يكمن السبب أو المانع في عدم إقدامهم على المضي في تنفيذ ذلك؟

أفضت قمة جدة التي عقدت بداية الأسبوع وجمعت دول التعاون الخليجي والأردن ومصر والولايات المتحدة الأميركية عن بيان ختامي أكد وبالحرف أن «القادة أكدوا ضرورة تكثيف الجهود للتوصل لحل سياسي للأزمة السورية، بما يحفظ وحدة سورية وسيادتها، ويلبي تطلعات شعبها، بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن 2254، مشددين على أهمية توفير الدعم اللازم للاجئين السوريين، وللدول التي تستضيفهم، ووصول المساعدات الإنسانية لجميع مناطق سورية»، ذات الحال تأكيد رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، وجميع أركان المسؤولين في نظامه في جميع تصريحاتهم، بضرورة احترام وحدة وسيادة واستقرار سورية! وكثيرة هي التصريحات المشابهة للعديد من دول التآمر على سورية.

هذا في العلن ما يقال في بازارات قممهم، إلا أن الحقيقة في سراديب مصالحهم تختلف كثيراً، حيث تظهر نياتهم في أرض الميدان، عبر عقوباتهم الاقتصادية الجائرة الأحادية على الشعب السوري، ودعمهم الميليشيات الانفصالية التي تهدد وحدة التراب السوري، ومدهم التنظيمات الإرهابية من نصرة وداعش وغيرهما بكل أسباب الاستمرار لمواجهة الجيش العربي السوري، واحتلالهم جزءاً من الأرض السورية، ما يقوض سيادة الدولة السورية.

في إعراب جملة المواقف المتناقضة السابقة واحد من احتمالين، الأول هو أنهم يفسرون وحدة وسيادة سورية وفق مصالحهم، وبما يناقض الحقيقة والأعراف الدولية، وينظرون إلى الإرهاب من مبدأ «من معنا ليس إرهابياً»، والثاني أنهم يبيعون مواقف علنية لا قيمة لها بالمجان، ويراهنون على ما يتفقون عليه في كواليس قممهم تلك، وبين المعلن والخفي بون شاسع، وهو ما يضع المتابع في حيرة بين أقوالهم وأفعالهم.

في سياق التناقضات بين أقوال الغرب وأفعاله، يشهد العالم ومنذ أيام قليلة حراكاً سياسياً محموماً، صب في مجمله على ثلاثة ملفات أساسية تشغل العالم حالياً، الأول الوضع في أوكرانيا والحصار على روسيا، وما نتج عنه من تهديد للأمن الغذائي العالمي، وتخوف غربي من وصول أوروبا والعالم إلى شح في الطاقة، قد لا تجد في الشتاء القادم ما يقيها برده، والثاني الوضع في سورية وتهديدات النظام التركي بشن عدوان جديد على الأراضي السورية، ودخول الأمر في سجال: رفض دولي، وإصرار تركي محموم للقيام به.

في الأول، يمضي الغرب الأوروبي والأميركي في سياسة «العناد» بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا، رغم إدراكه بأن انعكاساتها السلبية تثمر في الداخل الأوروبي والأميركي، وتأكيد جميع السياسيين والاقتصاديين بأن قيام أوروبا بفرض العقوبات على موسكو كمن يطلق النار على قدميه أو بطنه، وخاصة أن الاتحاد الأوروبي يعتمد على الغاز الطبيعي لتوليد الطاقة الكهربائية وتوفير طاقة لوسائل التدفئة، بمتوسط واردات سنوية يبلغ 155 مليار متر مكعب من روسيا، تشكل نسبتها 41 بالمئة من إجمالي استهلاكها، وفق بيانات شركة غاز بروم عن عام 2021.

عناد الغرب في سياسته تجاه روسيا، دفع به إلى الذهاب زاحفاً نحو دول الخليج العربي، وعينه على الطاقة فيها، ممنياً النفس أن يكون بديلاً لنفط وغاز موسكو، إلا أن الإمكانات بأن يتحول الخليج العربي إلى بديل عن روسيا، فيه الكثير من الصعوبات، فإيصال الغاز والنفط إلى القارة العجوز، إن رغب الخليج بذلك، يفتقد إلى الأرضية والمقومات التي تمتلكها روسيا، كما أن المسألة لدى أوروبا، ليست في وفرة الغاز الطبيعي في أسواق الخليج أو إفريقيا، لكن الأزمة في تكاليف النقل التي سيتحملها المستهلك النهائي، وهنا تكون النتيجة طاقة شحيحة وتضخماً مرتفعاً.

في المسألة الثانية الوضع في سورية، تبرز مساعي أردوغان في استغلال جملة المتناقضات بين روسيا وأميركا، ومحاولته اللعب على حاجة كل من الدولتين بأن يقف إلى جانبهما، للمضي قدماً في تنفيذ تهديده الذي أطلقه سابقاً بشن عدوان على منبج وتل رفعت بريف حلب، فأردوغان الذي هدد بالأمس بتجميد عملية انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو، في خطوة تعتبر بمثابة الضغط على واشنطن، للموافقة على عمليته العدوانية، حضر في طهران على طاولة المحادثات مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والروسي فلاديمير بوتين، حيث حضر الملف السوري بقوة، وإلى أن تظهر مخرجات الاتفاق على أرض الميدان، فإن الحل الواضح لدى كل من طهران وموسكو، لما يسمى تخوف أمني تركي، هو انتشار قوات الجيش العربي السوري على طول الحدود، بمعنى العودة إلى اتفاقية أضنة 1998، أو العمل وفق صيغة أستانا، حيث قال مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف: «موقفنا الروسي المبدئي هو أننا نعارض أي أعمال تنتهك المبدأ الأساسي للتسوية السورية، المنصوص عليها في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وفي قرارات صيغة أستانا، وهذا احترام لسيادة سورية ووحدتها وسلامة أراضيها».

من الواضح أن الغرب يهرول هنا وهناك، لمداواة نفسه مما لحق به من شظايا العقوبات التي فرضها على روسيا، كما أن النظام التركي يبحث عن صهوة ابتزاز جديدة ليمتطيها في سبيل تحقيق مخططاته العدوانية تجاه سورية، فيما الجميع يرى أن الأجدى أن يتوقف الأوروبي والأميركي عن التصويب نحو موسكو لأنه يصيب نفسه، وأن يتراجع النظام التركي خطوة إلى الوراء في علاقته مع الدولة السورية إلى حدود ومعطيات ما قبل 2010 ليجد نفسه وبلاده في أمن وأمان، لأن ما قام به منذ بداية الحرب الإرهابية على سورية باستقدامه الإرهابيين من شتات الأرض، تحول وبالاً عليه وعلى أمنه القومي، وبأن الحدود السورية يحميها ويضمن سلامتها الجيش العربي السوري، وليس المرتزقة والميليشيات التي زرعها أردوغان على طول الحدود، وقد سمعها بالأمس أردوغان بشكل غير مباشر من مرشد الثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي حينما قال: «الهجوم العسكري على شمال سورية يضر تركيا ويخدم الإرهابيين».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن