من دفتر الوطن

الفلَك.. وناقةَ أبي لهب!

| فراس عزيز ديب

منذُ أن أطلق عالم الفلك البولندي «كوبرنيكوس» مقولته الشهيرة: «الشمس هي مركز كل شيء» ناسفاً بذلك نظرية أرسطو التي صمدت لعشراتِ القرون بأن الأرض هي المركز، وماجرَّته عليهِ هذهِ الفكرة من رفضِ الكنيسة لأفكارهِ وتكفيرهِ وتكفير من اتبعه كالعالم الإيطالي «غاليليو»، فإن علم الفلك كان ولا يزال اللغز المحيِّر، رغمَ كل ماتوصلَ إليه العلم الحديث من تقنياتٍ بقيت الكثير من الاكتشافات مثارَ جدلٍ، هل مشى الإنسان فعلياً على سطحِ القمر أم إنه سار على سطحِ «قمر»؟ ماذا يعني اكتشاف الثقب الأسود الذي لا نملك أدلة محسوسة على وجودهِ إلا بعض الصور؟ أخيراً جاءت الصور التي نشرتها وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» لما سمته «الكون بالألوان» التي التقطها تيليسكوب «جيمس ويب» الفضائي لتؤكد تحول هذا العلم إلى أشبهَ بحقلٍ للألغام سينفجر بكَ أحدهم أياً كانت وجهة نظرك:

إن كنتَ من المؤيدين لهذهِ الصور، سيأتي من يُحاججك بعدمِ صحتها، لكن للأسف فإن معظم هؤلاء لا يناقشون صحتها من عدمهِ بأسلوب علمي دقيق، أغلبيتهم يرفضونها من منطلق ديني وكأن الدين ضد العلم، أو يحاول تقزيم هذا الانجاز وادِّعاءَ أن الكتب السماوية مثلاً تحدثت عنه، فالثقب الأسود عند هؤلاء هي «سدرة المنتهى»، تباً، إذن لماذا لم تحدثونا عنها قبل اكتشافها؟ ثمَّ أينَ ذهبتم بتفسير «سدرةِ المنتهى» على أنها شجرة تقع بين السماء السادسة والسابعة؟!

أما إن كنتَ رافضاً لها فلا تظن بأن الطرف الآخر سيقابلك بتطرفٍ أقلَّ من سابقيهم بل على العكس، سيضاف إلى التطرف بالآراء الكثير من الفوقية إن كان في طريقة تفنيدهم للصور أو الرد على من يشكك بها، فبالنسبةِ لهم كل من يشكِّك بهذه الصور هو شخص منغلق وأسير فكرٍ صحراوي عليهِ انتظار مرور قافلةَ أبي لهب! بالمناسبة أنا شخصياً لا أصدِّق هذه الصور لكني لستُ أسيراً لأي فكر وأقود سيارتي الشخصية لا ناقةَ أبي لهب ولا حِصانَ حاتم الطائي، خذوا القليل من التواضع ودعكم من الأحقاد المسبقة على الروحانيات، أو على حضارة عمرها قرون، مع تذكيركم هنا بأن العرب حتى في المرحلة التي سبقت الإسلام كانوا ميالين إلى هذا العلم وجمعوا الكثير من الكتب المخطوطة بلغاتٍ كثيرة للحفاظ عليها، برز لديهم العديد من العلماء كمحمد بن الحسن الهيثم صاحب نظرية انعكاس الضوء من الأجسام إلى العين وليسَ العكس فلماذا تريدوننا أن نلعنَ عظماءنا أو ننسلخَ عن انتمائنا؟!

في الخلاصة: ليسَ من اختصاصي تفنيد مدى مصداقية هذه الصور، لست هنا لأثبت صحتها من عدمهِ، لكن ما بات مثبتاً أننا في هذا الشرق البائس مع الأسف ابتلينا بجهتين يفوقان بعضهما البعض تطرفاً، الأولى لا يرى أبعدَ من الموروث الديني والثانية لا ترى إلا من ينطقون بالموروث الديني، أما الطبقة الوسطى وهي الأغلبية العظمى بالمناسبة فهي باتت في منزلة بين منزلتين ليس على طريقةِ المعتزلة، لكن على طريقةِ من لا يريد لها أن تطبِّق المبدأ الفلسفي الواضح: أنا أشك إذن أنا أُفكر.. أنا موجود.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن