ثقافة وفن

واقع الكتاب السوري في لقاء من الجهات المعنية في محاولة لتطويره

| مايا سلامي - تصوير مصطفى سالم

لا شك أن الحرب والأزمات المتعاقبة أثرت بشكل أو بآخر في الثقافة وصناعة الكتاب في سورية الذي تعرض لخسائر جمة على الصعد كافة من حيث إنتاجه وترويجه كما لم يستثن الأذى القارئ نفسه.

وتعرض الكثير من دور النشر والمطابع والمستودعات للتخريب كما أن الظروف غيرت طبيعة عشرات المكتبات التي تحولت لمقاهٍ ومحال تجارية أو لجأت لبيع القرطاسية والألعاب لتقاوم الإفلاس، في حين تراجع حجم الإنتاج والتوزيع في دور النشر التي باتت تواجه عقبات كبيرة تهدد استمرارها وذلك نتيجة عوامل عديدة منها ارتفاع أسعار الورق ومواد الطباعة والتجليد، وتوقفت الكثير من المطابع عن العمل إضافة إلى صعوبة تسويق الكتاب وتراجع نسبة المبيعات بسبب الظروف المعيشية القاسية التي جعلت الكتاب ترفاً بعيد المنال.

كل هذه الطروحات ناقشتها جلسة حوارية عقدها فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب حملت عنوان «واقع الكتاب السوري»، وشارك فيها كل من رئيس اتحاد الكتاب العرب الدكتور محمد الحوراني، ومدير عام الهيئة العامة السورية للكتاب الدكتور نايف الياسين، ورئيس اتحاد الناشرين السوريين هيثم حافظ بإشراف رئيس فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب الدكتور إبراهيم زعرور، إعداد وتقديم الزميل ملهم الصالح.

مشكلات عدة

أكد رئيس اتحاد الكتّاب العرب د. محمد الحوراني أننا عندما نتحدث عن أزمة الكتاب أو صناعته أو مستقبله فإننا نتحدث عن واحدة من أهم المشكلات التي ينبغي علينا أن نسعى لعلاج ما هو سلبي فيها، ودائماً ما يتم الحديث عن دور المؤسسات في هذه المشكلة، لكننا مع الأسف لا نتحدث عن المؤلف، ففي أحيان كثيرة تكمن المشكلة في المؤلف نفسه أو في دار النشر، وأحياناً يكون المؤلف لا علاقة له بالكتابة بل مرتزق كتابة، يسرق نصاً من هنا وهناك ثم يركب نصه الجديد الذي يريد أن يجعل منه كتاباً، فكيف يمكننا أن نقوم بطباعة مثل هذا الكتاب»؟.

وأضاف: «مع الأسف هناك كتب لا بأس بها لا تقوم المؤسسات الثقافية بطباعتها، ليس لمشكلة في المؤسسات الثقافية نفسها وإنما لمشكلة في الكاتب الذي ربما لا يكون له علاقة بالكتابة أو بالتأليف أو بأخلاقيات الكاتب، كما أن هناك مشكلة تتعلق أيضاً بالناشر الذي عندما تكون غايته مادية يكون الكتاب الذي يصدر عن داره لا يثري ولا يغني في المعرفة لأن الكاتب يريد طباعة هذا الكتاب من أجل أن يكون اسم المؤلف عليه فقط.

وأشار إلى أننا أمام مشكلة كبيرة علينا أن نعمل على حلها، وتحتاج لجرأة كبيرة إذا أردنا معالجتها عبر إستراتيجية حقيقية ثقافية لا يمكن أن تثمر إلا بالتعاون بين اتحاد الكتّاب ووزارات الثقافة والإعلام والتربية لأن جميع هذه المؤسسات معنية في هذا الموضوع. وربما يقول البعض إنه لا يوجد عندنا قارئ وأنا ضد هذه المقولة على الإطلاق، والتجربة التي قام بها اتحاد الكتّاب العرب تدحض هذه المقولة جملة وتفصيلاً لأننا أمام قارئ حقيقي يعي تماماً ما يريد، لكنه قارئ فقير لا يمتلك عشرة آلاف ليرة سورية لشراء الكتاب.

وختم: «من المشكلات أيضاً دور المؤسسات الثقافية في الرقابة، وبشكل دائم يتم الحديث عن السياسة والجنس والدين على أنها مقدسات لكن هناك مقدساً أهم من هذه المقدسات الثلاثة إلا وهو مقدس اللغة».

صعوبات كثيرة

أما مدير عام الهيئة العامة للكتاب د. نايف الياسين فأوضح أن الهيئة هي المعنية بإنتاج الكتاب الثقافي الأدبي، وقد واجهت على مدى السنوات الماضية صعوبات كثيرة، أهمها صعوبة توفير المواد الأساسية الداخلة في صناعة الكتاب مثل الورق والأحبار وصعوبة صيانة آلات الطباعة والحصول على قطع تبديلها وصعوبة الحصول على الوقود الأزمة لنقل الكتب».

وتابع: لستُ متشائماً كثيراً حول وضع الكتاب وعلى الأقل في الهيئة العامة للكتاب إذ يبذل زملائي وأنا كل جهد ممكن للمحافظة على إنتاج كتاب ذي نوعية جيدة يمكن أن يصل إلى شرائح أوسع في المجتمع السوري، والهيئة تسهم في تشجيع المبدعين من خلال إطلاق جوائز مثل حنا مينا للرواية وسامي دروبي للترجمة وجائزة عمر أبو ريشة للشعر ونحن نتمنى أن تكون القيمة المادية لهذه الجوائز أكبر مما هي عليه لكن أيضاً بحكم الظرف السائد في البلاد أعتقد أنها مكافأة تشجيعية معنوية ومادية مقبولة».

وأضاف: «أعتقد أننا لن نختلف كثيراً بأن الواقع الحالي للكتاب أقل بكثير من الطموح وربما سورية التي كانت في السابق تنتج وتقرأ أكثر من غيرها بكثير الآن في مواقع متراجعة قياساً ببعض الدول التي كنا نعتبرها متخلفة حيث كنا نعاني من مشكلة وصول الكتاب إلى الخارج والمشاركة في المعارض العربية والدولية».

ولفت إلى أنه في الشهر الماضي جرى توقيع عقد مع دار نشر تشتري الكتاب الذي تنتجه الهيئة السورية للكتاب وتشارك به وكيلاً عن الهيئة في المعارض الخارجية وهذا لن يكون إنجازاً مادياً ولكنه مهم وضروري للكتاب وللكاتب السوري أيضاً.

صناعة متكاملة

بدوره بيّن رئيس اتحاد الناشرين السوريين هيثم حافظ أننا اليوم كدور نشر خاصة من أكثر الجهات التي تضررت في الواقع السوري من هذه الأزمة، سأتكلم عن واقعها في هذه الظروف الصعبة التي أثرت كثيراً بدور النشر فـ70 أو80 بالمئة منها كانت مستودعاتها في ريف دمشق وهذه المستودعات بعضها تأثر وأغلبها فقد نهائياً».

وأكد أن النشر يحتاج اليوم إلى بيئة جيدة حاضنة اقتصادياً، وهو صناعة متكاملة تعادل صناعة ثقيلة من الصناعات التي تحتاج إلى عدة مهن وأهم شخص في هذه الصناعة هو الكاتب، ولدينا في سورية مشكلة حقيقية في صناعة الكاتب، والمسؤولية ليست منوطة فقط بوزارة الثقافة أو باتحاد الكتّاب العرب بل في المجتمع الذي لا يقدّر هذه الشخصية الاعتبارية الكبيرة.

وأضاف: «نحن كناشرين سوريين نحاول أن نكون موجودين في كل المعارض العربية، وطبعاً لم نغب عن أي معرض عربي رغم توقف الطيران والشحن والتصنيع في بعض الأحيان إلا أننا كنا موجودين وبكثافة، وهذا عزز من قيمة وجودنا في الساحة العربية».

وكشف أن دور النشر الخاصة تختلف قليلاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب واتحاد كتّاب العرب بطريقة التداول المالي لفكرة صناعة الكتاب فبالنسبة لهم يجب أن يكون الكتاب ناجحاً تجارياً وهذه نقطة مهمة جداً، منوهاً بضرورة أن يأخذ الكاتب حقه وأن تجلب الدور مكاسب من هذا الكتاب لأنها في النهاية مؤسسات ثقافية وتجارية.

وأكد أن الكتاب السوري غير متأزم ولكنه بحاجة إلى مزيد من الرعاية والدعم فالعديد من الكتّاب الشباب موجودون وهم بحاجة فقط إلى إعلام قوي يسلط الضوء عليهم وعلى مواهبهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن