قضايا وآراء

دولة الاحتلال وخطة تبادل الأراضي والحل الاقتصادي

| تحسين حلبي

في آذار من عام 2016 أجرى أكبر مركز استطلاع رأي أميركي يدعى «بيو سيرش سنتر» استطلاعاً للرأي بين أوساط الإسرائيليين في تل أبيب نشرت أخباره وكالة «رويترز» تبين منه أن نصف «الإسرائيليين يريدون التخلص من وجود الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ عام 1948 لكي تبقى لليهود وحدهم»، ورأت هذه النسبة أن أي حل يجب أن يقوم على هذا المطلب لأن تزايد أعداد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ عام 1948 وكذلك في الضفة الغربية والقدس أصبح يشكل أشد الأخطار على مصير المشروع الصهيوني وما يسمى «الوطن القومي لليهود في فلسطين».

وفي 15 تموز الجاري ذكر موقع الأمم المتحدة الالكتروني أن لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالتحقيق في ممارسات قوات الاحتلال في الأراضي المحتلة منذ عام 1967 سلمت تقريرها الذي بينت فيه انتهاكات دولة الاحتلال لكل حقوق الإنسان وبشكل يعرض الملايين من الفلسطينيين لأسوأ المعاملة ويحرمهم من حقوقهم في أراضيهم والبقاء فيها، وذكرت مثالاً على ذلك عدداً من هذه الانتهاكات الصارخة مثل اعتقال 800 ألف من الفلسطينيين منذ عام 1968 حتى الآن بموجب ما يسمى قانون الاعتقال الإداري من دون أن يصدر بحقهم أي حكم وتحتفظ قوات الاحتلال بهم في سجونها لسنوات كثيرة، وهذا الاعتقال لمثل هذا العدد الكبير يقابله إصدار أحكام بحبس أكثر من مليون من الفلسطينيين تعرضوا للاعتقال عدة مرات خلال أكثر من خمسين عاماً من وجود الاحتلال، علماً أن عدد سكان الضفة الغربية وقطاع غزة لم يكن عام 1968 يتجاوز المليونين، وقد أبعدت قوات الاحتلال منهم مئات الآلاف إلى الضفة الشرقية من دون عودة وهذا ما يطالب به بموجب استطلاع الرأي نصف الإسرائيليين الآن.

وكانت الكنيست قد ناقشت في عدد من دوراتها منذ عام 2003 جدول عمل يحذر من «خطورة تزايد عدد الفلسطينيين وخطره على مستقبل المشروع الصهيوني التوسعي» ولم تعلن عن خططها تجاه هذا الموضوع لكن عدداً من مراكز الأبحاث الغربية والإسرائيلية كان قد تقدم بتوصيات ركز معظمها على ضرورة فرض سياسة تقوم على سن قوانين تسمح بإبعاد أي من الفلسطينيين المقيمين في الأراضي المحتلة منذ عام 1948 إذا ارتكب أي مخالفة جنائية أو أبدى أي نشاط يمس الولاء للكيان الإسرائيلي، كما أعد المختصون في الوزارات الإسرائيلية خطة لتبادل الأراضي مع السلطة الفلسطيني تتيح لتل أبيب التخلص من نصف الفلسطينيين في أراضي عام 1948 ونقلهم إلى ما تخصصه دولة الاحتلال للسلطة من أراض في الضفة الغربية أو جنوب قطاع غزة قرب صحراء النقب وسيناء بموجب صفقة القرن فالهدف هو التخلص من عدد الفلسطينيين الذين يقيمون في أراضي مدن الضفة الغربية بنقل نسبة منهم عن طريق تبادل الأراضي إلى خارج مدنهم. ويذكر أن لجنة الأمم المتحدة الخاصة للتحقيق بجرائم الاحتلال أكدت في تقريرها الأخير أن الأراضي التي تحمل تصنيف «ج» أو «س» في الضفة الغربية لا تسمح قوات الاحتلال فيها للفلسطينيين ببناء أي مبان وأن كل ما سمحت به منذ اتفاقات أوسلو هي نسبة 5 بالمئة فقط، علماً أن أراضي «ج» أو «س» تشكل أكثر من سبعين بالمئة من مساحة الضفة الغربية وأقام فيها المستوطنون عددا من المستوطنات لأن اتفاقات أوسلو تعدها أراضي تديرها قوات الاحتلال وحدها.

والحديث عن تبادل الأراضي تطرق إليه الرئيس الأميركي جو بايدن قبل أسبوع في أثناء زيارته لبيت لحم في المؤتمر الصحفي الذي عقده فيها، وأكد ضرورة الاستناد إليه واكتفى بالقول إن موضوع الدولة الفلسطينية ليس على جدول العمل الدولي أو الأميركي والإسرائيلي في هذه الأوقات وكأنه يفضل البدء بتبادل الأراضي بشكل يترافق مع دعم اقتصادي مالي يشجع الفلسطينيين على قبوله مقابل تأجيل البحث بموضوع الحل القائم على دولتين إلى وقت آخر لا يلوح في أفق بايدن أو حكومة الاحتلال.

وفي هذا الاتجاه بدأ عدد من المحللين والكتاب في الكيان الإسرائيلي بدعوة الإدارة الأميركية إلى تخصيص مبلغ بمليارات الدولارات من الدول العربية لمصلحة الدعم الاقتصادي المعيشي للفلسطينيين وتحديد الأراضي التي يمكن أن يجري نقلهم إليها مع مبالغ مالية لإعداد مشاريعهم الخاصة سواء في أراضي جنوب قطاع غزة أو في جزء من أراضي النقب المتاخمة لحدود قطاع غزة، وهناك من يدعو من داخل دولة الاحتلال إلى ترحيل جزء من بدو النقب إلى الأراضي التي ترشحها تل أبيب للمبادلة مع أراضي الضفة الغربية بعد عرض المبالغ المالية عليهم من الأموال التي ستجمعها واشنطن من بعض الدول العربية ومع ذلك سيستحيل إعادة تجربة المخططات التصفوية للقضية الفلسطينية التي أعدتها دولة الاحتلال والغرب الاستعماري خلال عشرات السنين بعد أن أحبط الشعب الفلسطيني أشدها خطورة وهي صفقة القرن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن