قضايا وآراء

قمة طهران: سورية هي الحدث!

| د. بسام أبو عبد الله

تابع كثيرون البارحة قمة طهران المهمة جداً عبر شاشات التلفزة، وتعليقات المحللين، وخطب القادة المشاركين، وخيبة أمل العديد من القوى على صعيد الإقليم والعالم، لا بل دهشة البعض من تسارع الأحداث التي ستنتج احتراقات كما هو مفترض خلال الأشهر القادمة على صعيد الملف السوري، وقد يسأل البعض لماذا كانت سورية هي الحدث في هذه القمة؟ أليس في ذلك مبالغة في التقدير؟

سأجيب عن هذا السؤال المركزي من خلال طرح جملة العوامل الموضوعية التي تدفع باتجاه ذلك:

1- من الواضح تماماً أن الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والإيراني إبراهيم رئيسي كانا واضحين مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حينما تحدثا عن أن سيادة سورية خط أحمر، وعلى تفهم المخاوف الأمنية التركية تجاه المشاريع الانفصالية المدعومة غربياً، والتي أقرّ أردوغان فيها حيث قال إن من يسلح هؤلاء: أميركا وبريطانيا وفرنسا، والذين يفترض بهم أنهم حلفاء تركيا في الناتو، ولكن مقابل ذلك لا يمكن لتركيا أن تستمر بدعم التنظيمات الإرهابية في إدلب، وغيرها، أي إن الأمن يجب أن يكون متبادلاً ومستداماً، والاستدامة لا تتحقق إلا بتعاون الحكومتين السورية والتركية، وليس من خلال طرح مشاريع توطين أو مناطق آمنة، وإنما من خلال ما لخصه قائد الثورة الإسلامية في إيران علي الخامنئي لأردوغان: أمنكم من أمننا، ولكن يجب أن يكون أمن سورية من أمن تركيا.

واضح أن التركيز الروسي الإيراني هو على نزع فتيل العملية العسكرية التركية، وإحداث اختراق يسير تدريجياً نحو تفاهمات أمنية سورية تركية بالتأكيد ليس بصيغة أضنة 1998، إنما بصيغة جديدة تأخذ بالاعتبار ما حدث خلال أكثر من عقد من الزمن.

أي إن الأمن والاستقرار مفتاح للتنمية والازدهار، وهنا من اللافت أن كثيراً من المحللين الأتراك باتوا يقولون بعد قمة طهران: «إنه رغم الإصرار على إسقاط الأسد منذ عام 2010، لابد من التفاهم بين حكومة حزب العدالة والتنمية التي يقودها أردوغان، والحكومة السورية برئاسة الرئيس بشار الأسد»، بمعنى أن النزول من أعلى الشجرة قد بدأ.

2- إذا كان الرئيس التركي يبحث عن مخارج لنفسه قبل عشرة أشهر من الانتخابات الرئاسية (حزيران 2023) فالواضح تماماً أن مفاتيح الإنقاذ موجودة في موسكو وطهران ودمشق، وقد يستغرب البعض إضافتي لدمشق، وهنا أريد أن أوضح أنني سبق وكتبت في هذه الصفحة من «الوطن» السورية مقالاً في نيسان 2022، بعنوان: «لماذا تبدو عودة العلاقات السورية التركية ممكنة!» شرحت فيها الأسباب الموضوعية، وليس العاطفية لذلك، وقمة طهران بينت بوضوح شديد أنه لا حل للأتراك إلا من خلال بوابة دمشق، لأسباب جغرافية واقتصادية وسياسية وأمنية، والقضية هنا ليست بهذه البساطة، لكن ضمن الرؤية الاستراتيجية الاقتصادية التي جرى الحديث عنها في طهران، يبدو مسار دمشق – أنقرة مفتاحاً لكل الأطراف، باستثناء الغرب مجتمعاً، وبالطبع كيان الاحتلال الصهيوني.

لكن منطق الأحداث وتطوراتها يدفعان أكثر فأكثر بهذا المنحنى، ولا أعتقد أن زيارة وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد مع انعقاد القمة إلا لقضايا ذات أهمية بالغة.

3- إن تحديد موعد القمة القادمة لمسار أستانا في روسيا قبل نهاية عام 2022، يعني فيما يعنيه أن الرئيس بوتين لن يستضيف هذه القمة إلا بعد تأكده من تحقيق اختراقات مهمة وجديدة ما بين دمشق وأنقرة، ومن الواضح أن موسكو ستعمل ميدانياً بكثافة في الشمال السوري، وطهران ستعمل على المسارين الأمني والسياسي، لتحقيق إنجاز مهم يدفع بالمسار السوري قُدماً للأمام، ويجعل من قمة أستانا القادمة بضيافة بوتين قمة التحولات الكبرى، وتصريح مساعد وزير الخارجية الروسي والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وبلدان إفريقيا ميخائيل بوغدانوف عن احتمال إجراء الرئيس بوتين اتصالاً مع الرئيس الأسد بعد قمة طهران، مؤشر آخر على تفاهمات محددة تمّ الوصول إليها، لابد من دفعها للأمام، والتفاهم مع دمشق بشأنها لأنها صاحبة القرار النهائي، والاعتقاد أن هناك تطورات خلال الأشهر الأربعة القادمة قبل قمة موسكو القادمة، والسبب الدافع لذلك هو الحاجة التركية لإنجازات ما قبل الانتخابات الرئاسية على الصعيدين الأمني والسياسي، وملف اللاجئين، والأهم الاقتصادي إذ حصل أردوغان على مزايا كثيرة في الغاز، والنفط، ومشاريع اقتصادية مستقبلية، ولكن ذلك كله يرتبط بمدى قدرته على التقدم على المسار السوري.

4- من الملاحظ أن تركيا لم تكن من بين الدول التي شاركت في قمة جدة، على الرغم من أنها عضو في حلف الناتو، ولم تحصل على أي شيء بعد رفعها الفيتو عن انضمام فنلندا والسويد سوى جدل في الكونغرس حول طائرات الـ«F 16» التي تشترط واشنطن فيها عدم طيرانها فوق الأجواء اليونانية! والسؤال هنا أين سيطير الأتراك بهذه الطائرات إذاً؟

هنا قدمت قمة طهران فرصة تاريخية لأردوغان تتمثل بدور تركي قادم يتفق ورؤية مختلفة للمنطقة تستطيع من خلاله تركيا أن تكون دولة وازنة ومهمة، لكن بعد التخلي عن أطماعها ومشاريعها القديمة، وإدراك أنها سقطت وانتهت، وهذا الدور التركي الجديد مفتاحه في دمشق، وأقصد هنا اقتصادياً، والسبب معروف وهو دكتاتورية الجغرافيا الحتمية!

أمام أردوغان فرصة تاريخية إما أن يستفيد منها، وأميل إلى أنه سيفعل، أو يضيعها، ويضيع، وهنا قد يسأل البعض ما مصلحتنا في إنقاذ أردوغان؟ أقول باختصار لأن البدائل أكثر سوءاً بكثير، ونحن في حالة تركيا نختار بين السيئ والأسوأ والأكثر سوءاً.

وأعتقد أن موسكو وطهران تميلان كما هو واضح لخيار دعم أردوغان انتخابياً.

5- النقطة الأخيرة والتي لابد من الإشارة إليها أن هذه التحولات الكبرى لم تأت بالمجان منذ أن أوصد الرئيس بشار الأسد الباب في وجه وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول في نيسان 2003 فقد دفع السوريون واللبنانيون والفلسطينيون واليمنيون والإيرانيون آلاف الضحايا والشهداء، وجاعوا وبردوا، وعانوا معاناة شديدة خلال عقد ونصف على الأقل، وليسامحني الجميع في ذلك لأن محور المقاومة، وقلبه سورية، كان الأساس في إسقاط مشاريع الهيمنة والتقسيم والتفتيت، قبل أن تنهض روسيا، وتقاتل الآن في أوكرانيا، بعد أن أدركت أنها المستهدف في الحرب الفاشية على سورية.

طوبى للسوريين، وطوبى لشهدائنا وجرحانا وقيادتنا التي صمدت، وأظهرت وطنية عالية، وانتماء وشجاعة مذهلة، ولولا ذلك لما كانت سورية هي الحدث طوال أكثر من عقد من الزمن، ولما كانت مركز الحدث في طهران، ولأنها تقدر إخلاص، ووفاء أصدقائها وحلفائها، أيضاً طوبى للسيد الخامنئي على كلامه الحازم والواضح تجاه سورية، وطوبى للرئيس رئيسي الذي يبشرك محياه بالصلابة والقوة والجدية، وطوبى للرئيس بوتين الذي يثلج صدور العالم بالتحولات التي يحدثها مع حلفائه وأصدقائه لينهي عصر الهيمنة الغربية وإلى الأبد.

قمة طهران هي قمة دمشق أيضاً التي كانت الحاضر الغائب، والحدث الأساسي فيها، ومن حسن حظنا جميعاً أن نشهد هذه التحولات الكبرى التي دفعنا ثمنها غالياً، ولكنه ثمن أقل بكثير من ثمن الاسـتسلام للهيمنـة الأميركيـة كمـا علمنا الرئيس الأسد دائماً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن