قضايا وآراء

إن أيلول لناظره قريب

| محمد نادر العمري

معادلة جديدة أرساها الأمين العام لحزب اللـه حسن نصر اللـه في خطابه الأخير حول التطورات السياسية في لبنان وشرحه لإنجازات حرب تموز منذ أيام، بقوله: «إذا وصلت الأمور إلى نقطة سلبية، فلن نقف فقط في وجه كاريش، سجلوا هذه المعادلة، سنذهب إلى كاريش وما بعد بعد كاريش»، هي معادلة تحمل الكثير من الجدية ترسيها المقاومة الإسلامية اللبنانية، ليس في إطار الصراع مع الكيان الصهيوني فحسب، بل ضد من يقف خلفه وإلى جانبه، ولاسيما أنها جاءت في الذكرى السادسة عشرة من انتصار تموز الذي أسقط بدايةً المشروع الأميركي المتمثل في إيجاد شرق أوسط جديد، وكرس بعد ذلك قواعد اشتباك جديدة في إطار الصراع بين المقاومة والكيان المغتصب.

وتكمن جدية هذه المعادلة وتبنيها في مؤشرين، الأول يكمن في إطلاق الحزب لثلاث مسيرات استطلاعية غير قتالية فوق حقل كاريش، وهو ما أعلنه نصر اللـه صراحة لأهداف نفسية أو استخباراتية أو تعبيراً عن جدية المقاومة في التصعيد بحال وصلت مباحثات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والأراضي المحتلة إلى حائط مسدود أو ذهب الكيان بمساعدة الوسيط الأميركي نحو المماطلة أو نحو رفع سقف شروطهم ومطالبهم، على حين يتمثل المؤشر الثاني في تحديد المدة الزمنية لهذا التصعيد أي تحديد شهر أيلول، وهو الموعد المتوقع لبدء استخراج الغاز من حقل كاريش، وهذا المؤشر يؤكد جدية المقاومة من جانب ويضع حكومة الاحتلال ومسؤوليها بين فكي الكماشة، إما القبول بالشروط اللبنانية في الترسيم والإسراع بها من دون مماطلة أو عدم استخراج الغاز والنفط من المتوسط، وهذه المعادلة في الوقت ذاته تختبر مدى جدية الولاء والانتماء للقوى السياسية اللبنانية وفي مقدمهم قوى 14 آذار، التي طالما تبنت شعارات براقة وأطلقت التصريحات الرنانة بحجة الدفاع عن حقوق اللبنانيين والمطالبة بالسيادة والاستقلال.

من جانب آخر هذه المعادلة تزامنت من حيث التوقيت السياسي مع تطورات في غاية الأهمية على المستويات المختلفة، في مقدمها الوضع المهترئ على الصعيد اللبناني في المجالات السياسية والاقتصادية والخدمية نتيجة ما شهده لبنان منذ عام 2019 من محاولة إدخاله في فوضى منظمة، كما أنها ترافقت مع تشرذم الوضع السياسي الصهيوني الداخلي واضطرابه واحتمال التوجه نحو إجراء انتخابات نيابية جديدة للكنيست فضلاً عن تدني القدرات القتالية لجيش الاحتلال الصهيوني وفق اعتراف خبرائه وكبار قادته، كان آخرها ما نشرته صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية عن بروفيسور في قسم الأبحاث السياسية بجامعة «بار إيلان» وخبير في الإستراتيجية العسكرية والاستخبارات إيال بينكو، الذي أكد أن «حزب اللـه جيش منظّم للغاية، لا تستطيع إسرائيل تحمل الحرب معه، لأن الخسائر ستكون هائلة»، كما أن تبني هذه المعادلة سبقت زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة بساعات معدودة في سعيه لزيادة ضخ مصادر الطاقة في الأسواق العالمية ولزيادة المعروض منها وانخفاض أسعارها قبل إجراء الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي في تشرين الثاني، وللتأكيد مجدداً على التزام الإدارات الأميركية المتعاقبة على ضمان أمن الكيان الصهيوني، في ظل اشتداد الصراع الحاصل حول البحث عن مصادر طاقة جديدة للأسواق الغربية بعد اشتداد حدة المواجهة مع روسيا في أوكرانيا.

المؤكد في كلام نصر اللـه وتبني المقاومة لهذه المعادلة، أن المنطقة ستكون أمام أحد هذه الخيارات:

أولها: إن تهديد الأمين العام لحزب اللـه باستخدام القوة العسكرية قبل أيلول قد يدفع الكيان الصهيوني والمبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين للمسارعة نحو تقديم تنازلات والتوصل لصيغة توافق ترضي جميع الأطراف، وخاصة أنه حتى كتابة هذا المقال وبعد مرور أكثر من أسبوع لم يدل أي مسؤول إسرائيلي بأي تصريح يجابه ما تبناه نصر الله، على عكس وسائل الإعلام الصهيونية التي سربت مخاوف الجهازين السياسي والعسكري من تهديدات الأمين العام للمقاومة اللبنانية، كما أن زيارة بايدن للمنطقة وللكيان حصلت من دون أي رد على خطاب نصر اللـه وخاصة أن هذا التهديد لا يتعلق فقط بمصالح إسرائيل فقط بل بمصالح الولايات المتحدة التي هي بأمس الحاجة للنفط والغاز.

ثاني هذه السيناريوهات تتجلى في حصول جولة اشتباك محدودة بين الحزب وجيش الاحتلال، تكرس معادلة الاشتباك الجديدة والتي ستطول البحر والجو، وخاصةً بعد كشف نصر اللـه عن جهوزية المقاومة وامتلاكها للقدرات المختلفة للدفاع عن حقوق لبنان واللبنانيين.

أما ثالث السيناريوهات فإنه يكمن في توسع الحرب وتدحرجها نحو حرب هي أكثر من إقليمية وأقل من عالمية، في حال تعنت قيادات الكيان السياسية والعسكرية في الاعتراف بحقوق لبنان وتمسك الإدارة الأميركية بتقديم دعم غير محدود للكيان على غرار ما يحصل اليوم في أوكرانيا.

أياً يكن من إمكانية حصول هذه الخيارات، فإن الثابت في المشهد هو امتلاك زمام المبادرة لقوى المقاومة وفي مقدمها حزب اللـه الذي بات اليوم عامل قوة في المفاوضات، رافضاً استمرار تجويع وتركيع بيئة المقاومة والشعب اللبناني والمسألة برمتها باتت قضية وقت ليس أكثر، بعد أن انتقلت الكرة لملعب الصهاينة في ربع الساحة الأخيرة من هذا الصراع، وعليهم تحكيم العقل أو اختبار من صدق الوعد سابقاً وأن أيلول لناظره قريب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن