ثقافة وفن

في الذكرى الـ62 لانطلاقة التلفزيون السوري … دمشق ستصدح دائماً بصوت الحق والسلام

| مايا سلامي

منذ 62 عاماً حجز التلفزيون السوري مكانته الخاصة والمهمة في الإعلام العربي وصنع لنفسه أثراً مميزاً لا يمحوه الزمان في كل المراحل المتعاقبة التي مرت عليه بدءاً من الأبيض والأسود فالبث الملون ووصولاً إلى عصر الفضائيات، فبات رمزاً وطنياً وثقافياً يفخر به السوريون خاصة ممن عايشوا يوم ميلاده العظيم.

وعبارة «هنا دمشق» التي أطلقها الإعلامي الراحل صباح قباني معلناً انطلاقة أول بث تلفزيوني سوري في مساء 23 تموز من عام 1960 ما زال قاسيون يردد صداها حتى الآن على مسامع الأجيال الحديثة وأصبحت شعاراً نتغنى به لنؤكد أن دمشق ستصدح دائماً بصوت الحق والسلام.

في البدايات

تأسس التلفزيون السوري بالتزامن مع التلفزيون المصري الشقيق وحملا معاً اسماً واحداً «التلفزيون العربي» كون انطلاقتهما أتت في ظل دولة الوحدة التي جمعت بين سورية ومصر آنذاك. وبدأ إرساله من قمة جبل قاسيون حيث أقيمت أول محطة إرسال بقوة منخفضة لا تزيد على 10 كيلوواط تبث بالأبيض والأسود وبمدة لا تتجاوز الساعتين في اليوم وبحدود إرسال لا تتعدى مدينة دمشق من داخل استديو صغير أنشئ بجانب محطة الإرسال.

وفي ذلك الوقت لم تكن التقنية كما هي اليوم حيث إن عدداً قليلاً فقط من البيوت الدمشقية استطاعت استقبال إرساله لأنه كان عليها أن تدفع ضريبة استقدام التلفاز الذي أصبحت كل عائلة تقتنيه مقصداً للجيران والأقارب كما كانت أمانة العاصمة دمشق تقوم بوضع أجهزة التلفاز أمام الحدائق العامة في المناسبات الوطنية ليشاهده أكبر عدد من الناس.

ترأس التلفزيون السوري في البداية صباح قباني شقيق الشاعر نزار قباني بالتعاون مع مجموعة إداريين وكادر فني يتمتع بخبرات ومؤهلات، وكانت الأعمال التلفزيونية السورية الأولى تعتمد على فصول تمثيلية وسهرات مسرحية تبث مباشرة على الهواء بسبب بساطة وبدائية وسائل المونتاج في ذلك الوقت، كما قدّم العديد من اللقاءات مع كبار الفنانين السوريين والعرب بالإضافة إلى برامج منوعة تتضمن مشاهد كوميدية خفيفة أشهرها «سهرة دمشق». وتمثيلية «الغريب» أول عمل درامي يعرضه التلفزيون السوري عام 1960 ودارت أحداثها حول الثورة الجزائرية وبطولاتها وأمجادها وكانت من إخراج سليم قطايا، وبطولة ثراء دبسي وياسر أبو الجبين وبسام لطفي. كما كان من أوائل الذين ظهروا على شاشة التلفزيون السوري وتركوا بصمة كبيرة في الدراما السورية والعربية: نهاد قلعي، دريد لحام، رفيق سبيعي، محمود جبر.

وفي عام 1978 بدأت تجربة البث الملون حتى أصبح الإرسال في عام 1980 كاملاً بالألوان ولمدة 10 ساعات يومياً.

تحليق في الفضاء

وذكر الإعلامي الراحل صباح قباني في مذكراته «من أوراق العمر» أن تأسيس التلفزيون السوري كان مغامرة بحد ذاتها ووصفها بأنها تحليق في الفضاء خاصة أن قرار إنشاء التلفزيون صدر قبل ثمانية أشهر فقط من تحديد موعد انطلاق بثه متزامناً مع احتفالات أعياد ثورة تموز، وحين نقول قرار إنشاء فإن ذلك يشمل إنشاء الموقع وتدريب العناصر وإرسالهم في بعثات تدريبية ليتعرفوا على التقنية التلفزيونية من ألفها إلى يائها كما حدث معه ومع بعض زملائه الرواد أمثال تماضر توفيق وهيام طباع، الذين ذهبوا في دورة اطلاعية مكثفة إلى نيويورك وبوسطن في الولايات المتحدة الأميركية قبل سبعة أشهر من افتتاح التلفزيون وكان عليهم خلال مدة لا تتجاوز الأربعين يوماً أن يتفهموا جميع المراحل التي يمر بها العمل بما في ذلك التعامل مع جميع الأجهزة الفنية اللازمة والتي كانت غير معروفة في المنطقة العربية تماماً.

وأكد الراحل قباني أن التلفزيون السوري انطلق قوياً معافى برغم محدودية إمكاناته وفتح ذراعيه واسعاً للجميع من كتّاب وفنيين وإعلاميين واكتشف مواهب جديدة، حيث أطلت هيام طباع في برامج الأطفال، وناديا الغزي في برنامج «البيت السعيد» وانطلق فن العرائس بخبرات يوغسلافية ومواهب سورية من خلال برنامج «المسرح الصغير» وشخصية «ديبو الفهمان»، وظهر الفنان عمر حجو ليقدم فقرات التمثيل الإيمائي الضاحك وتم تأسيس فرقة للفنون الشعبية تابعة للتلفزيون قدمت أرقى لوحات التراث الشعبي للشاشة الصغيرة. كما لفت إلى أن التلفزيون السوري يعد أول تلفزيون عربي يدار بخبرات وطنية حيث إن التلفزيونات التي سبقته كانت تدار من قبل المستعمرين الذين يحتلون الأقطار العربية.

وكشف في مذكراته أيضاً أن أول مذيع مصري قرأ نشرة أخبار في تلفزيون دمشق كان الإعلامي حمدي قنديل، وأن أبرز الزوار من الصحفيين المعروفين في تلك الفترة كان محمد حسنين هيكل الذي شهد على قمة جبل قاسيون عام 1961 إخراج برنامج فني ثقافي. وانفصام الوحدة بين سورية ومصر دفع صباح قباني لتقديم استقالته ومغادرة التلفزيون إلى غير رجعة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن