لم تعد الحرارة العالية وقفاً على عدد من بلدان العالم بل تكاد تشمل الكرة الأرضية برمتها.
ففي الأيام القليلة الماضية وصلت درجة الحرارة في تورنتو بكندا إلى 40درجة مئوية وهو أمر لم تعهده تاريخياً وهي المعروفة بأنها صحراء من الثلج، وارتفعت في الفترة ذاتها درجات الحرارة في لندن إلى 40وفي باريس إلى 42,5 ولم تغب تلك الحرارة المرتفعة، عن تحليل الخبراء لأسباب حرائق الغابات التي شهدتها، بلدان اشتهرت بصيف معتدل لم تكن الحرارة فيه تتجاوز الـ17 درجة في شهر آب (اللهاب)، ما كان يتيح لمواطنيها ارتياد الشواطئ والسباحة أحياناً في مياه باردة جداً في عز الصيف.
وبدا لافتاً أنه خلال أسبوع واحد التهمت النيران 20 ألف هكتار من غابات جنوب فرنسا، على الرغم من زج ألف إطفائي مع معداتهم و13 طائرة كبيرة نوعية متخصصة في إطفاء حرائق الغابات و35 حوامة، وقيل فيها إنها حرائق مدمرة هجرت عشرات الآلاف من السكان وخربت آلاف البيوت والمزارع وبدت وكأنها عصية على السيطرة إلى أن هطلت الأمطار فبدأت بتحجيمها.
ناقشت مع عدد من خبراء الغابات في سورية فكرة ترطيب الغابة، ولاسيما أن الاستشعار عن بعد يحدد الآن درجة الخطورة وحدة العوامل المؤدية لحرائق الغابات، منهم من استهجن أو استصعب ومنهم من رأى أن الأمر جدير بالدراسة وأن الفكرة بحد ذاتها مهمة جداً، على الصعيد العالمي، إذ يكاد العالم يفقد غاباته مع احتراق 12 مليون هكتار من غابات الكرة الأرضية كل عام وخاصة في السنوات القليلة الماضية التي شهدت ارتفاع معدل حرارة الأرض.
وبما أن البيئة عالمية وبلا حدود، وما إن ينشب حريق في بلد حتى ينتشر في البلدان المجاورة والقريبة (احتراق 30 ألف هكتار في إسبانيا في الفترة نفسها و15ألف هكتار في البرتغال)، فإن السؤال المطروح على البشرية الآن وبجدية قصوى: هل يمكن العيش على الأرض من دون غابات..؟
ولأن الصغير قبل الكبير يقول لا، إلا أن هذا غير ممكن على الإطلاق، فإنه من غير المعقول أيضاً أن تفشل كل محاولات كبح التغيرات المناخية السلبية المتمثلة في الصعود المتواصل لمعدل حرارة الأرض.
لا تريدون ترطيب الغابات ولا العمل على خفض حرارة الأرض، فماذا تنتظرون..؟
صحيح أن الحل الوطني لمواجهة التلوث البيئي الهائل على سطح الأرض، وهو يصيبنا من كل جانب، من السماء ومن البحر ومن اليابسة، هو نقطة في بحر الجهد المطلوب للتخلص من الانبعاثات الغازية الهائلة والنفايات الصلبة والسائلة.
ولكن في مأثورنا، حكمة بليغة: البحصة تسند جرة.
وهنا تتبدى أهمية الحل الوطني في حماية ما بقي من غاباتنا عبر جعلها في مجموعها (محمية) كبرى تطبق عليها شروط المحميات، فهي مصدر الهواء النقي الذي لا غنى عنه لأكثر من ثلاث دقائق في حياة الإنسان وبفضلها نتخلص من كميات كبيرة من الهواء الفاسد المسؤول عن رفع حرارة الأرض ومن الغبار، وهي حاضنة الماء العذب، وطبيعة أخاذة وثروة خشبية… الخ.
حمايتها واجب وطني مقدس وتنميتها بكثافة إجراء لابد منه لمواجهة عالم يشتعل، لا تطفئ حرائقه المدمرة إلا الأمطار، وهي تتناقص وتتوارى مع فقدانه المفجع لغاباته تباعاً، للأسف الشديد.