قضايا وآراء

يحزقيلي: متى ندرك أن التطبيع لن يدفع العرب للقبول بنا؟

| تحسين الحلبي

في 18 تموز الجاري نشر مدير مركز «إنتاج المعرفة الإسرائيلي» ومدير «مركز الأبحاث الإستراتيجي لسياسات الجيش الإسرائيلي» بينحاس يحزقيلي تحليلاً اعترف فيه بأن «الركض الإسرائيلي وراء فرض التطبيع على العرب والمسلمين لا يمكن أن يتحقق هدفه، ومن المذهل أن النخب الإعلامية والسياسية الإسرائيلية لا تفهم بعد أكثر من سبعين سنة طبيعة التفكير الشرقي العربي ولذلك يبدو من الواضح أن هذه النخب التي تسعى إلى تحقيق التطبيع مع العرب والمسلمين ستذل نفسها وتذل الإسرائيليين وكل ما سيظهر مجرد بالونات وأوهام».

وفي سياق تحليله يستنتج يحزقيلي أن «العرب لن يطبعوا لأنهم يعدون الإسرائيليين كفاراً وستظل هذه الصفة تلاحقهم ولن يسلموا بالتحالف عملياً مع إسرائيل»، وأضاف: «وانظروا ما فعله المسلمون في صلح الحديبة حين عقدوا مصالحة مع كفار قريش وعدوا ذلك وسيلة للتخلص منهم، ولذلك يجب أن ننظر للتطبيع بصفته مجرد فائدة تكتيكية مؤقتة يمكن لإسرائيل استخدامها لما هو أبعد من ذلك من دون أن يضمن أحد قدرة هذا التطبيع للمحافظة على نفسه»، لكنه يرى أيضاً أن «الوقت قد حان للاعتراف بأن هدف إسرائيل الإستراتيجي من وراء التطبيع لم تستطع الحكومات الإسرائيلية كافة تحقيقه طوال أربعة عقود، ورؤساء هذه الحكومات كانت تستغله لأهداف داخلية لتحويل الانتباه عن الفشل».

يقدم يحزقيلي أمثلة على هذا الفشل حين يعترف أن «الجمهور العربي في مصر والأردن وقف طوال أربعين عاماً ضد هذا التطبيع ولم يقم مصري واحد بزيارة تل أبيب»، ويؤكد أن الشرق الأوسط لا يمكن فيه ممارسة العمل السياسي والدبلوماسي إلا بالسر فقط وليس بالعلن، وهذا ما كان يجري منذ أول اتفاقية للتطبيع مع مصر عام 1979، كما كان الإسرائيليون يخافون من السفر العلني إلى مصر أو الأردن، بل إنهم بدؤوا يتجنبون الذهاب إلى مدن الضفة الغربية برغم وجود الجيش الإسرائيلي فيها.

وبالمقابل أصبح المستوطنون الذين يحملون جنسيات وطنهم الأصلي في أوروبا وأميركا وكندا يفضلون زيارة بعض البلدان العربية بجوازات سفرهم غير الإسرائيلية، وهذا ما يقلق المسؤولين في تل أبيب لأنهم بهذا الشكل أصبحوا يسلكون الطريقة نفسها التي سلكها المستوطنون البريطانيون والأوروبيون في الستينيات والسبعينيات في جنوب إفريقيا ومستعمرة «روديسيا» اللتين رفض العالم نظامهما الاستعماري العنصري ضد أصحاب الأرض، وكانت «روديسيا» قد ألغت بعد تحررها هذا الاسم الاستعماري الاستيطاني الذي أطلقته بريطانيا الاستعمارية عليها وتحول اسمها إلى زيمبابوي المتطابق مع هويتها الوطنية الإفريقية.

يبدو أن ما يقر به يحزقيلي علناً يدركه الكثيرون من السياسيين في تل أبيب ولكنهم يستمرون في التمسك بسياسة التنكر لطبيعة ما يطلق عليه يحزقيلي «التفكير الشرقي- العربي»، وما يفرضه من استحقاقات يستحيل نفي وجودها والتخلص منها عند العرب والمسلمين في موضوع التعامل مع الإسرائيليين، ففي هذا الشرق العربي والإسلامي لا تتنازل دولة شقيقة لأخرى شقيقة عن شبر أرض إذا استولت عليه بالقوة، فما بالك حين يكون من استولى على الأرض أوروبيين جيء بهم من أوطانهم السابقة لسلب وطن الفلسطينيين والاستيطان فيه بل التوسع منه إلى سلب أراض من بلدان الجوار؟

هذا ما يقصده يحزقيلي حين يقر بأن كل حكومات تل أبيب لم تستطع تحقيق الهدف الإستراتيجي من التطبيع وبقي الوضع السائد الآن في المنطقة هو الأمر الواقع الذي كان قائماً قبل حرب حزيران عام 1967 وقبل احتلال الجيش الإسرائيلي لبقية الأراضي الفلسطينية والجولان العربي السوري، فلا الفلسطينيون سلموا بعدم استعادتهم لوطنهم والعيش فيه ولا العرب والمسلمون سيقبلون بالتصالح مع من سلب وطناً كاملاً وخاصة في هذه الأوقات التي يرى فيها العالم كله أن سبعة ملايين فلسطيني يقيمون بما بقي من أراضيهم تحت حكم ستة ملايين مستوطن جاؤوا من دول وأوطان أخرى في العالم وسبعة ملايين فلسطيني من اللاجئين خارج هذا الوطن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن