اقتصاد

القرصان ذو اللحية الحمراء يظهر بإطلالـة جديدة!

| د. سعـد بساطـة

لطالما كانت التجارة مصدراً للأرباح؛ وبخاصة ما يعـبر منها المحيطات.. ولكن.. كما لها أرباحها؛ فهنالك تهديداتها من خسارات وحوادث؛ وأهم الخسائر استيلاء لصوص البحر (أو ما يعـرف بالقراصنة) عـلى السفن ونفائسها.

والقرصنة بالتعريف: هي عملية سطو تُرتكب في البحر من دون إذن دولة ما أو موافقتها.

يعتبر قرصنة بحرية، وفقاً لمعاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982: «كل عمل عنفي أو جرمي، أو سلب أو حجز، يُرتكب بوساطة طاقم أو ركاب باخرة خاصة أو طائرة، تُوجّه نحو أعالي البحار لاعتراض باخرة أو طائرة أخرى، أو ضد أشخاص أو أملاك على متن هذه الباخرة أو الطائرة، وذلك في أي مكان خارج صلاحية الدولة القضائية».

والقراصنة في اللغة العربية هم «لصوص البحر»، ويعتبر أصل الكلمة لاتينياً Pirata ومعناها «محاولة العثور على الحظ في البحر». وهي وُجدت منذ أصبح البحر طريقاً للتجارة، وأقدم الحوادث الموثقة عن أعمال القراصنة تتحدث عن أولئك الذين كانوا يهددون تجارة بحري إيجه والمتوسط، منذ القرن الثالث عشر قبل الميلاد.

يروي المؤرخ «بلو تارك» أن يوليوس قيصر وقع ضحية للقراصنة السيليسيين عام 75 ق. م وسجن في جزيرة فرماكوزا/ بحر إيجه وطالب خاطفوه بفدية قُدّرت بعشرين «تالنت» من الذهب (التالنت Talent هو وزنة كانت تقدر في تلك المرحلة بين 25 و30 كلغ). ولما كان يوليوس الشاب يقدّر نفسه غالياً فقد رفض هذا العرض وطلب من القراصنة أن يرفعوا قيمة الفدية إلى 50 تالنت ذهبي. وبالفعل فقد رفع القراصنة قيمة الفدية التي تمّ دفعها ثمناً لحرية القائد الشاب. ولكن قيصر عمد إلى شن حملة بحرية بعد ذلك حيث قبض على القراصنة وأعدمهم.

هناك أسماء مهمة في عالم القرصنة مثل: جاك سبارو الكابتن دريك ( بعين واحدة ووجه مرعـب)؛ هنري مورجان؛ كاليكو جاك.

أصبحت القرصنة حديثاً مصدر خطر داهم خاصة في سواحل الصومال التي تخضع خضوعاً كاملاً للقراصنة حيث تجري ثلث عمليات القرصنة في العالم قرب سواحل الصومال. حيث تقدر الخسائر السنوية بنحو 16 مليار دولار وخاصة في المياه الواقعة بين البحر الأحمر والمحيط الهندي، قبالة الساحل الصومالي، وكذلك في مضيق ملقا وسنغافورة.

المضحك المبكي أن دولاً أوروبية في ظل التهديدات الغـذائية التي تجتاح العـالم نتيجة الحرب في أوكرانيا (وما نتج عـنه من نقص في زيت القلي والقمح)؛ أخذت تصادر (تصادر:التعـبير المطوّر عـن: تسرق/ تقرصن) سفناً فيها حاويات مترعـة بالمواد الغـذائية متوجهة لبقاع العـالم – والحوادث كثيرة ومتكررة – تحت ذريعـة الأمن الغـذائي!

هذا فتح ملفاً قديماً شائكاً ملأته الدول الاستعمارية بممارساتها القذرة؛ ولسوف أسرد بعـض الأمثلة:

مالي تعـاني اقتصاداً متدهوراً؛ وفيها أهم مناجم الذهب في العـالم؛ ويحرس أمنها قوات فرنسية؛ في الوقت ذاته في احتياطي فرنسا ملايين الذهب (ياللمصادفة السعـيدة!).

سيريلانكا أهم منتج للشاي في العـالم (ذهب أحمر)؛ تموج بتظاهرات بسبب الجوع؛ وأضحى لقبها الدولة المفلسة؛ أما بريطانيا فتأخذ لقب «عـظمى» وهي تستفيد من تعـبئة أجود الشاي السيلاني وتسويقه (مصادفة أخرى)!

يقول ميشيل كولان الصحفي البلجيكي إن الدول الغـنية (إسبانيا- فرنسا- بريطانيا.. إلخ) قد قفزت اقتصاداتها بسبب سرقة المواد الخام من كل أصقاع العـالم؛ الذهب والفضة من أمريكا اللاتينية؛ عـبودية ملايين البشر من إفريقيا. باختصار هم أثرياء – من حساب الآخريــن-!

الأمريكان يتحدثون عـن إنتاج متوازن للنفط ومصادر بديلة؛ ولما عـصّـت الأزمة عـلى ذيلهم هرع رئيسهم لدول الخليج يتوسل ويتسول – ويلوّح بضغـوط- من أجل حاويات النفط.

لن أسترسل فكما أسلفت… الأمثلة لا تحصى؛ والقرصنة ليست من نتاج القرون الوسطى؛ بل هي أهم ممارسات الدول التي تدعـي الحضارة في القرن الـ(21)!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن