قضايا وآراء

سقوط أحجار الدومينو الأوروبية

| الدكتور قحطان السيوفي

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال منتدى بطرسبورغ الاقتصادي 2022: إن الوضع الراهن في أوروبا بعد العملية العسكرية في أوكرانيا سيؤدي إلى تغيير النُّخب الأوروبية الحاكمة في المستقبل.

ويشير المشهد الأوروبي الحالي بوضوح إلى صحة ما توقعه الرئيس الروسي؛ فجاءت الانتخابات البرلمانية الفرنسية لتُظهر خسارة الرئيس إيمانويل ماكرون للأغلبية البرلمانية في الانتخابات التشريعية، كما مُنِي رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وحزبه المحافظ بهزيمتَين ساحقتَين في الانتخابات الفرعية الأخيرة في إنكلترا، وتلا ذلك السقوط المُدوي لجونسون، وبالتوازي انهار سعر صرف العملة الأوروبية الموحدة اليورو، وأخيراً وليس آخراً، استقال رئيس وزراء إيطاليا في مسلسل سقوط أحجار الدومينو في أوروبا العجوز التي تواجه أوقاتاً عصيبة وصدمة كبيرة ثلاثية الأبعاد: الأسعار والطاقة وصدمة اللاجئين الأوكرانيين.

بعد أقل من شهرين من إعادة انتخابه رئيساً لفرنسا، فقد إيمانويل ماكرون السيطرة على الجمعية الوطنية الفرنسية (مجلس النواب)، حيث تعرض تحالف ماكرون لانتكاسة كبيرة، وفشل في الحصول على أغلبية مطلقة في الانتخابات التشريعية كأسوأ نتيجةٍ لرئيس فرنسي في الجمهورية الخامسة، إضافة إلى الفرنسيين الذين يعانون من التضخم، وارتفاع الأسعار بسبب تداعيات الأزمة الأوكرانية، وجاء تصويتهم في الانتخابات التشريعية انتكاسة مؤلمة لماكرون.

جونسون هو الحجر الثاني في بداية سُقوط منظومة أحجار الدومينو الغربيّة، استقال رئيس الوزراء البريطاني من منصبه كرئيس تنفيذي لحزب المحافظين، وهو الحجر الثاني في بداية سُقوط منظومة أحجار الدومينو الغربيّة وكانت لعنة أوكرانيا من أبرز أسباب هذا السّقوط، فسياسات جونسون المتخبطة، سواء الداخلية والخارجية، وخاصة المشاركة في حرب أوكرانيا بالتدريب والسلاح والعتاد، وجونسون يقدم نفسه على أنه بطل في دعم أوكرانيا ضد روسيا، على حساب أموال دافعي الضرائب والخزينة البريطانية.

عهد جونسون كان مليئاً بالإخفاقات وفضيحة «بارتي غيت» الحفلات التي خرقت قواعد الإغلاق خلال فترة تفشي «كوفيد» والفضائح الجنسيّة، ترافقت مع إخفاقات على الصّعيد الاقتصادي حيث وصلت مُعدّلات التضخّم إلى 10 بالمئة وهي أعلى نسبة مُنذ 40 عاماً، وارتفعت أسعار الوقود والغذاء، وانعكس ذلك في استِقالة أكثر من 52 وزيراً ومسؤولاً كبيراً في حُكومته في أقل من 24 ساعة، رحيل بوريس جونسون لقي ترحيباً لدى روسيا وحُلفائها.

جونسون كانَ رجل أميركا، والحليف الأكبر لها، وأكثر الزّعماء الأوروبيين حماساً ودعماً لرئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي ولهذا لم تُفاجئنا تغريدة نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديميتري ميديفيدف، التي قال فيها: «إنّ أفضل أصدقاء أوكرانيا يُغادرون، ونحن في انتظارِ أنباءٍ مُماثلة من ألمانيا وبولندا ودول البلطيق».

جونسون من أشدّ الزّعماء الأوروبيين دعماً لصفقة القرن واتّفاقات «سلام أبراهام» للتطبيع مع إسرائيل، جونسون غادر تاركاً وراءه مُسَلْسَلاً من الانتكاسات والإخفاقات المحليّة والدوليّة، والتبعيّة العمياء للولايات المتحدة الأميركيّة، علاوةً على توريط بريطانيا، في حربٍ خاسرة، حتّى الآن، ضدّ روسيا، واستِنزاف الخزينة البريطانيّة المُنهكة من خِلال ضخّ مِليار دولار دُفعةً واحدة في الحرب الأوكرانيّة، وصفقات الأسلحة الأخرى.

المراقبون يرون أن حجر الدومينو الثالث هو هبوط وتراجع قياسي لليورو لم يشهده منذ 20 عاماً، ليوازي سعر الدولار الأميركي، مخلفاً انعكاسات خطرة وارتدادات كثيرة على الاقتصاد الأوروبي والقدرة الشرائية للمستهلك.

وبحسب الخبراء، لعبت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وما أججته من ارتفاع حاد في أسعار الطاقة والمحروقات، دوراً رئيساً في هذا التراجع القياسي لليورو مقابل الدولار، وخاصة في ظل الانكماش الاقتصادي وارتفاع نسبة التضخم في منطقة اليورو.

هبوط سعر صرف اليورو كان متوقعاً، لأن العقوبات الاقتصادية على روسيا أدت إلى الانكماش والانتكاسة في الاقتصاد الأوروبي.

الضغط كبير على العملة الأوروبية الموحدة نتيجة التوترات الجيوسياسية في ظل ارتفاع التضخم وتزايد عدم اليقين بشأن استمرار إمدادات الغاز الروسي، وأتوقع هبوط اليورو في الشهور المقبلة، لأننا في بداية أزمة إمدادات الغاز، لأن الدول الأوروبية حالياً لديها احتياطي كافٍ من الغاز في الصيف، لكن مع دخول الخريف والشتاء المقبل وتضاعف استهلاك الغاز، فإن موسم ركودٍ قاسٍ ستشهده القارّة والوضع سيتأزم أكثر واليورو سيهبط أكثر.

الضحية الرابعة إيطاليا حيث أعلنت الرئاسة الإيطالية الخميس الماضي عن استقالة رئيس الوزراء ماريو دراغي، ووفق محللين، فإن دراغي الرجل الذي دخل عالم السياسة الإيطالي من بوابة الاقتصاد، اصطدمت جهوده بتضخم وارتفاع الأسعار وبتداعيات وصعوبات مؤلمة أكبر وأخطر أزمة أوروبية ودولية منذ الحرب العالمية الثانية، من جهته توقع الوزير الفرنسي للشؤون الأوروبية أن تفتح استقالة دراغي الباب أمام «فترة إرباك» معتبراً أنها ستكون بمنزلة خسارة «أحد أعمدة أوروبا» على حد تعبيره وهكذا يستمر سقوط أحجار الدومينو الأوروبية.

في حال استمرار الحرب الأوكرانية لمدة طويلة وتصاعد الأزمات الاقتصادية قد نشهد سقوط رؤساء حكومات آخرين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن