حصيات في فمي
حسن م. يوسف:
لا أريد أن أتعدى على كار المحللين السياسيين الذين باتوا أكثر من الهم على القلب، لكن بعض الكلمات تحجرت في فمي وتحولت إلى حصيات لابد لي أن أبقها!
تذكرون حكاية «المعارضة المعتدلة» التي دربتها أميركا في الأردن وسمتها بـ«القوات السورية الجديدة». ثم أطلقتها في أيلول الماضي لـ(مكافحة الإرهاب)! لكن عناصرها ما إن وصلوا إلى سورية حتى قاموا بتسليم أسلحتهم الحديثة لجبهة النصرة الإرهابية. يومها ولول الإعلام الغربي واعتبر ما جرى خيانة لأميركا كما اجتر الإعلام العربي هذه المقولة من دون أن يخطر ببال كل من قرأت لهم أن يستخدم «سوء الظن» الذي يعتبره أجدادنا من حسن الفطن! رغم وجود معطيات تشجع على الاعتقاد أن المهمة الحقيقية لأولئك «الأشاوس» كانت إيصال السلاح الحديث للإرهابيين قبل الذوبان في صفوفهم!
في الجزء الأول من مسلسل «إخوة التراب» قلت على لسان إحدى الشخصيات: «إن الإنجليز مثل البرد، هم سبب كل علة». فالإنجليز لم ينسحبوا من أرض احتلوها إلا وزرعوها بالألغام السياسية التي يُوقتون انفجاراتها بحيث تخدم غاياتهم، وما مشاكل الحدود بين الهند وباكستان، ومصر والسودان والإمارات وإيران إلا أمثلة بسيطة على ذلك. لهذا انتابني القلق عندما علمت أن الإنجليز قرروا إرسال طائراتهم لـ(قصف داعش)! لكنني لم أستطع أن أمنع نفسي من الضحك عندما سمعت أن تلك الطائرات لم تجد في طلعاتها الأولى أي أهداف لقصفها لذا عادت إلى قواعدها معززة مكرمة! والحقيقة هي أن الإنجليز والفرنسيين والأميركان لا يرون على أرضنا إلا ما يناسبهم أن يروه! فأقمارهم الصناعية التي ترصد كل ما يتحرك في النهار والليل، عميت، والأصح تعامت، عن قوافل داعش عندما اجتازت البادية السورية المكشوفة لتحتل تدمر، كما تعامت عن صهاريج النفط التي ظلت طوال أشهر عديدة تنتقل بين آبار النفط التي تحتلها داعش والموانئ التركية، وأكبر دليل على أنهم يديرون توحش داعش لخدمة مصالحهم هو أنهم يفعلون كل ما في وسعهم لإضعاف الدولة السورية التي يعرفون، وفي بعض الأحيان يعترفون، بأن جيشها هو القوة الأساسية التي تحارب داعش على الأرض!
ليست لدي أدلة على أن كل ما جرى ويجري في منطقتنا هو سيناريوهات تهدف لتفتيت بلداننا بواسطة «الفوضى الخلاقة» الخنَّاقة، غير أني أود أن أترجم لكم ما قاله جيمس وولسي الرئيس السابق للمخابرات المركزية الأميركية في فيديو تم تسجيله عام 2006: « المشكلة ليست الإسلام المشكلة هي الإرهاب، وإذا نجحنا في إقناع المسلمين المعتدلين والشعوب المعتدلة في العالم الذين هم تحت العبودية كما هو ظاهر في كثير من البلدان، بأننا إلى جانبهم، فإننا سوف ننتصر في النهاية، تماماً كما انتصرنا في الحرب العالمية الأولى والثانية والثالثة، أي الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي. وإذا ما فعلنا هذا فسوف نجعل الناس متوتري الأعصاب. سوف نجعل الأسرة السعودية متوترة الأعصاب ونجعل حكم مبارك في مصر متوتر الأعصاب، وإذا نجحنا في تحرير العراق والتفرغ للعمل على الأنظمة الشريرة في سورية وليبيا وغيرها، وبدأنا نمارس الضغط عليها لإحداث التغيير، عندها سيأتي السعوديون ونظام مبارك إلينا قائلين: نحن متوترون جداً جداً، عندها يجب أن تكون ردة فعلنا: جيد، نحن نريدكم متوترين، نريدكم أن تدركوا الآن وللمرة الرابعة خلال المئة سنة الماضية أن هذا البلد وحلفاءه الديمقراطيين يواصلون تقدمهم. نحن سوف ننتصر، سوف ننتصر لأننا إلى جانب من تخشاهم تلك الأنظمة أكثر من كل شيء، أي شعوب تلك الأنظمة».
فمتى يستيقظ عرسان الغفلة؟