ثقافة وفن

لئلا نفترق…. أو حتى!

إسماعيل مروة: 

صرت أفاجأ في الأوساط الثقافية بأصدقائي، كلما التقيت أحدهم أو إحداهن ناقشني وأطال فيما أكتبه من هموم وقضايا، ولم تأخذني النشوة فيما أسمع من امتداح أحدهم، ولم يضق صدري بنقد صديق آخر، وإن كنت لا أرى رأيه، وأزعم أن الفكرة لم تصله، ولكن ما فاجأني به أحد الأصدقاء: لن تترك لنفسك صاحباً، صدمتني العبارة، ودافعت بقولي: إنني أفصل تماماً بين نقدي للأداء والأشخاص، وبأن علاقتي بالأشخاص اعتباريين أو أدباء هي على ما يرام وجيدة للغاية.. خرجت من لقائه، وأنا أردد في خاطري كلامه، وأسترجع ما قاله، وأول مرة أجدني أعود إلى ما قاله صديقي وغيره من الأصدقاء.. فوجدت جزءاً كبيراً مما قاله يحمل الصواب، ولا أقول هذا من باب «لم يترك الحق لي صاحباً» فحاشا أن أتشبه بالإمام كرم الله وجهه، فما أنا الذي يقول صواباً دوماً، وقد لا أدرك صواباً ولاحقاً طالما أختلف الناس فيه، وعدت لأفكر ملياً فيما أنا فيه لأجد أن كل ما وصلت إليه- إن وصلت إلى شيء- يرجع إلى أصدقائي وأحبائي ومن حولي، وهم من أقال عثرتي حين عثرت، وهم من ستر عيبي حين ظهرت العيوب، وهم من حملني حين كسر الزمن مجدافي، فهل أجد نفسي ذات لحظة من زمن خلواً من هؤلاء الأصدقاء؟!
حين أقدمت على العلم والتلمذة أنجدوني ووجدتهم قربي، وإن كانوا بعيدين عني للغاية، أنفاسهم لفحتني فأخرجتني من صيقيع لا يمكن أن أنجو منه! وحين كبت بي خيلي ترجل صديق عن خيله ومنحني خيلاً أصيلة، وقال لي: التقينا لئلا نفترق، وبقي يهتم بي وبخيلي حتى قطعت الصحراء القاحلة، ونجوت بكل ما أريد وأنا مدين له بكل ما فعل لئلا تبتلعني صحراء مجدبة لا معين فيها..!
وحين غاب الصديق كان آخر مستعداً لإكمال ودّه وحبه، ولم يغب حتى ظهر سواه وكأن ما قاله لي صديق مقرب وصل الحقيقة: كل ما تريده يحصل..
وحتى يبقى الودّ موصولاً، ويستمر الودّ مع الآخر الذي لا أكون إلا به وجدتني أراجع ما قاله الصديق، وأراقب نظرات التوجس والريبة التي لا أحبها، لأطلب مكانها نظرات من الود والحب التي تخرج من الذات من دون طلب ومن دون توجس..
بالأمس صعقت أزمة قلبية صديقاً وأديباً، وحين علمت لشدّ ما تأثرت لرحيله المفاجئ، وتذكرت بألم ما كان بيننا من تنافر لكلام قاله وكلام قلته! ما أغرب هذه الرحلة، لم يعد بإمكانه أن يمحو ما قاله، ولا أنا بإمكاني..!
منذ أيام التقيت صديقاً وحبيباً وأول مرة أشعر أن الدفء الذي عهدته فيه ليس كما أعرفه، ودعته من دون أن أنظر إلى الخلف، لكنني شعرت بشيء مختلف، وكأن مافي داخله معلق في ركاب خيل أقلتني إلى الضفة الأخرى التي ما كنت لأصل إليها لولاه..! عدت لأتذكر ما قاله الصديق بأنني قد لا أجد صاحباً من كثرة الانتقاد والكلام!
ترى هل هذا حقيقة أم إن صعقة رحيل من نعرف ومن لا نعرف هي السبب وراء ما يشعر به المرء؟
أسئلة كثيرة ترد إلى الذهن، وأنا أسترجع مسيرة أحببتها لم أجد فيها إلا النجاح، ولم يقابلني فيها إلا الود من أصدقاء محضوني الود، وأزعم أنني كنت صادقاً في ودّهم.
لا يتوقف المرء عن المعرفة، ولن ينجح إن لم يبحث في القضايا «وانهل من المعرفة ما أنت حي» فإلى الفكر والقضايا أوجه مراكبي وغدي القادم، إن كان ثمة من غد، وخاصة أن ما أراه تقويم أداء يراه غيري معارك، وأنا بطبعي لا أحب المعارك ولا أرغب بها، ولا أريد شيئاً، ولا أطمح إلا إلى ما أنا فيه، ولا أرغب في تغييره، ولا أرى مكاناً أفضل من الحرية التي صممتها على مقاسي، وأسعفني أصدقائي بأن تتحقق لي.
بانتظار لحظة قد لا تكون بعيدة أركن خيلي لتغوص في باطن المعرفة والقراءة لعلي أغادر وأنا أفتح صفحات كتاب لم يطبع بعد، فأكمله بكلام مذهب طيب لأصدقائي في رحلة الأبدية.
شكراً لكل أصدقائي الذين شكلوني وما أكثرهم، وللذين ظنوا أنني أسأت إليهم ولم أفعل.. فما أنا فيه من سعادة وحرية يستحق مني أن أشكر لا أن أحمل أسلحة تزعجهم، وإن كانت من حبر وريشة..! الإنسان بأصدقائه ومزيداً من الحب لئلا نفترق..
أو حتى نفترق

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن